الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

جملة اعتراضية

لم تكن تتوقع أنها ستواجه مشاكل لا يستطيع النسكافيه الخالى من اللبن حلها..أو على الأقل يساعدها على التفكير.
لم تعد الشوكولا و الورق الخريفى الأصفر المحمر يسعدها و لا باتت أيادى الأطفال حديثى الولادة تدهشها..كانت تهتم بشم الورد الملون و تذوق المربات المنزلية التى تصنعها أمها و تحرص على اظهار الاعجاب دائما بما تصنعه..فما من مرة نسيت فيها أن تكتب نوت صغير على البرطمان الزجاجى " confiture du paradis " لكنها الآن لا تهتم .
بقى شئ واحد فقط من سلوكها المعتاد القديم..تلك الأسئلة الغبية التى لا يجيبها أحد عليها و لا يكترث أحد بأن يبحث معها عن اجابات منطقية أو غير منطقية و لا حتى يحاول أحد منعها من السؤال .. أسئلة من نوعية لماذا الماء مبلل مثلا..فى الواقع اهتم شخص واحد بالاجابة عن هذا السؤال و بعدها لم يعد يجيب أو يسأل.أو يظهر ,  لكنها لا تخشى أن تقسم أنها ما زالت تسمع صوته يناديها و انها حين تفرك يديها بقوة معا تشم رائحته النفاذة التى تبعث على القشعريرة .
أخذت الأنوار مع الوقت تبدو أوضح مما تحتمل عيناها فأصبحت تخاف الرؤية و قررت أن تغمض عينيها تماما حتى لا تتأذى..حاليا هى لا ترى شيئا بالفعل..كل شئ متشابه  بطريقة مزعجة .
فى المساء لم تعد تحرص على شرب القهوة مع أبيها..ليس فقط لأنه لم يعد موجودا و لكنها فقط أصبحت تعانى من بعض مشاكل النوم الذى لم تظن أبدا أنه قد يشكل لها أى مشكلة .
أصبحت تغنى بصوت عالى و ترقص فى المنزل و تأكل كثيرا و لا تدرى لذلك سببا واضحا..تقول خالتى الصغيرة ان المبالغة فى تناول الطعام ما هى الا اعراض اكتئاب و لكنها تحب الطعام فلم الفزلكة اذن ؟!
ازدادت وزنا..كان يضايقها هذا كثيرا لكنه مع الوقت أصبح حجة غير مقنعة لعدم ذهابها لحفلات الخطوبة و الأفراح التى لا تنتهى..لن تذهب بدونه بكل الأحوال..كان من المفترض أن يكونا هما أصحاب الفرح الأول و بمنطقها بما انه لم يكن هناك فرح اول اذن فلا معنى لوجود فرح ثانى .
فقط السقف..ذلك الفراغ الغبى الذى يتسع لمعظم الهراء الذى يملأها..تشكو اليه..تبكى له..تغنى له..تبتسم له ..و أحيانا تقذفه بغيظ بأى شئ قريب فينزل على رأسها فتتخيل السقف ماداً لسانه فى شماتة لا تحتملها فتخرج سيجارة و تدخنها...لو علمت أمها بأمر السجائر للطمتها..ربما لذلك أصبحت تتناسى عمداً رش معطر الجو .
قررت أن تبعث برسالة قصيرة لمحمد..الشخص الوحيد الذى لا تشعر انه ينتمى اليهم كأرضيين..ستخبره أنها تريد فستانا مثل ذلك الذى لبسته فاتن حمامة على البحر فى فيلم لا أنام..هذا الأبيض الممتلئ بخطوط و نقاط حمراء..سيحرص على أن يتحدث اليها و لن ترد على الهاتف لأنها تشعر أنها لا تستطيع ان تضحك الآن .
تقرر قرارا أصعب من ناحية التنفيذ..النوم .
اتخذت وضعا مريحا فى سريرها المريح ..تركت المصباح الصغير مضاء حيث أن الظلمة لم تعد تبعث على السكينة هذه الأيام فما هى الا محفز قوى لافراز سيل من الأفكار السخيفة.. و الآن أصبح كل شئ معد لسيل من البكاء الخافت الذى يساعدها على تخطى فكرة حياتها التى أصبحت تمثل لها المعنى الحقيقى لتلك الكلمة التى لم تفهمها أبدا من قبل " اللاشئ "..تقر داخليا ان وجودها ما هو الا جملة اعتراضية فى زحام من الجمل المهملة داخل كتاب محبوك القصة ..و تنام .

الأحد، 2 أكتوبر 2011

تلك الفتاة

لم تعد تعنيها النظرات المتطلعة فى استغراب إلى تلك الفتاة التى لا تحسن صنع ضفيرة لنفسها فيتدلى ذيل حصانها غير المشدود من الشباك و هى تبتسم ملئ فمها , كاشفة عن أسنان تعرف انها ليست الاجمل- و لكنها تؤمن تماما ان الابتسامة مهما بدت بلهاء فهى جميلة - ملاعبةً طفل صغير ذا أقدام حافية لا تعرف سوى ان اسمه على و انه ابن بواب العمارة المقابلة لعمارتها .
تجرى الى الثلاجة فى حماس لتجلب له قطعة من الشوكولا التى تأكلها فى شراهة و التى تعتبرها سبب أساسى فى ملئ جسدها البض و الذى لا يضايقها إطلاقاً..يأخذها مبتسماً فتشعر بالنجاح و الراحة و تذهب لتبدأ يومها..يومها الذى يعتمد بشكل أساسى على تجاهل نظرات الكثيرين..نظرات السيدات اللاتى يتعجبن من سيرها مرفوعة الرأس ناظرة إلى كل ما حولها من محلات زهور و سلات قمامة و رجال عجائز يقرأون فى الجرائد و امرأة شقراء أجنبية اعتادت المشى صباحا فى شوارع وسط البلد..نظرات رجال لم يعتادوا رؤية احداهن تركب العجلة و تقف فجأة لتلعب مع فتاة صغيرة قابلتها فى الطريق.
تتعمد أن تقترب من أبواب المقاهى الصغيرة حيث أنها تحب رائحة البن و القهوة على الرغم من عدم شربها لهذه المشروبات..مشروبات " الكبار " او هكذا تعتقد .
تضع سماعاتها فى أذنيها لتقول لفيروز " صباح الخير " لكن سرعان ما تفرغ البطارية..دائما ما تنسى أن الأجهزة تحتاج إلى شحن كهربائى و أنه لا يمكن أن تعطيها بعض الشوكولا حتى تعمل , فتصالح نفسها غير عابئة و تبدأ فى تكملة الأغنية بصوت خافت و هى تطلع الى المحلات المصفوفة فى طريقها .
تصل الى كليتها قبل الميعاد على غير العادة فتجلس قليلا مع " أم سعيد " و تكتشف أن لها أربعة أبناء و بنت غير سعيد و على الرغم من ذلك لا يظهر عليها علامات التقدم فى السن و لم تترهل بطنها بعد هذه الولادات الكثيرة المتلاحقة..الضئيلات جسماً هن الكثيرات حظاً إذن.
يبدأ اليوم و ينتهى فى ملل تتخلله بعض الأحداث اللطيفة مثل رؤية آدم زميلها الذى ربما لا يعلم بوجودها و لكنه أطول من ألا تلاحظه و سندويتش الكبدة الاسكندرانى الذى أكلته مع صديقتها بعد المحاضرة .
فى طريق العودة تتوقف مرة لشرب عصير مانجة و مرة لتدخل محل فارغة اليد فتخرج حاملة كيس.
فى بداية الشارع تلمح ابن البواب فتخرج من جيبها قطعة شوكولا صغيرة و تقدمها له فيبتسم لها ابتسامته المحببة إلى قلبها , تنزل على ركبتيها و هى تخرج من الكيس حذاء صغير فينظر على اليه فى رهبة ثم يتجرأ و يمسكه و يشكرهها فى فرح فتقدم له خدها فيقبلها قبلة خاطفة و يجرى ليجلس على سلم العمارة ليرتدى حذاءه الجديد.

الأحد، 28 أغسطس 2011

ه ج ر

" ما تبقيش غشيمة امال ! "
فتنظرهاجر فى أسف إليها و متلعثمة تقول " ما هو أصل الغرز صغيرة اوى و الابرة بتفُط من صوابعى يا ابلة ليلى.."
فتعتدل فى فراشها ترفع بعض الشعيرات البيضاء الناعمة من أمام عينها و تقرب الفناة ذات التسع عشرة عاماً منها و هى تمسك بيديها الاثنتين الابرتين و فى بطء مفتعل تريها كيفية عمل الغرزة و ان الكروشيه فن جميل و نتيجته ملموسة و سريعة ثم  تغمز بعينها اليمنى قائلة " و اول حاجة هتعمليها , هاشتريها منك " , فتلمع عين الفتاة و تبتسم .
بينما تنهمك هاجر فى الكروشيه , تدخل الغرفة فتاة عشرينية شديدة بياض البشرة شديدة سواد الشعر و تقبل جبين والدتها و تلقى سلاما عابرا على هاجر..تتحرك فى سرعة , و هى تمد الى العجوز دواء الساعة الخامسة و هى تقول فى حنق " فات ساعة الا ربع على معاد الدوا " و تنظر الى هاجر نظرة أدركت معناها..فتلعثمت مبررة " والله يا آنسة إيمان محسناش بالوقت " ثم تضيف قائلة فى زهو شاهرة قطعة ملونة من القماش لا معالم لها  " شفتى ابلة ليلى علمتنى اعمل دة ".
تمتنع إيمان عن الرد و تلقى بكلمتها المعتادة فى أذن الأم " يا ماما هو احنا بندفعلها عشان نعلمها تريكو؟!..انا لو بارجع بدرى من الشغل كان زمانى باخد بالى من مواعيد الادوية بتاعتك "
فترد عليها جهرا غير عابئة " ملكيش دعوة بهاجر..و دة مش تريكو دة كروشيه.. "
تلف لسانها فى فمها سبع مرات حتى لا تتفوه بما يغضب امها و تشير فى هدوء الى هاجر " قومى اغسلى المواعين و رَوّحى "
فتفز واقفة و تسأل " احضرلك تاكلى ؟ "
فتنهى النقاش بحسمها المعروف " اغسلى المواعين و رَوّحى..بس "
تقترب إيمان و تنظر لامها فى حنو و هى تحاول ان تقنعها انها جلبت هاجر لتخدمهما لا لتزيد من همومها و مسئولياتها فتدافع عندا ليلى فى اشفاق معللة ان البنت يتيمة و انها ستساعدها لانها تستحق و ان المرتب و ان كان كافياً فانه لن يكفيها عمراً..ففتاة غير متعلمة مثل هاجر تحتاج الى صنعة تعتمد عليها فيما بعد اذا تبدلت الظروف .
فتنظر الي تجاعيد وجهها و عينيها المختفيتين خلف نظارة قديمة الطراز و هى تتنهد و تدعو دعوات صادقة داخلياً بأن يعطي الله والدتها الصحة و العافية و لا يغير قلبها الطيب هذا أبدا.

" هاجر "
فتشير الفتاة الى الهاء و هى تقول " مش دى اللى قلتى انها شبه الفيونكة ؟! "
فتبتسم السيدة العجوز " فيونكة فى نص الكلام..فى الأول بتتكتب كدة.." و أمسكت يد الفتاة الحاملة القلم الرصاص و هى تعدل من امساكها بالقلم " يللا اكتبيها 5 مرات "
تدخل إيمان مستفسرة عن سر التصفيق الذى سمعته فتضحك الأم معللة " هاجر دلوقتى بقت تقدر تفك الخط و تكتب كمان "
فتبتسم ابتسامة موهنة و تهم بالخروج لولا ان نادتها الأم تطلب منها قهوة الساعة السابعة و عصير طازج لهاجر حتى تستعيد نشاطها..فتدرك انها الان فى خدمة أمها و خادمة أمها و لكنها تعود بالقهوة و العصير..فقط لأنها لم تر أمها فى هذه الفرحة العارمة منذ فترة بعيدة.

" انا لازم امشى...ماتزعاليش مينى "
تلقى إيمان بالجواب فى الدرج و تلقى بنفسها على الكرسى و هى تسند رأسها إلى المكتب..مئات الأفكار و الخواطر و الأحاسيس الساخطة تسيطر عليها...يجب ان تعطى الجواب لأمها حتى لا تظن انها طردتها..كما سترى انها أصبحت تستطيع أن تُكوّن جملا قصيرة صادمة..ربما ليست صحيحة تماما ولكنها تفى بالغرض...أم أن عليها اختلاق حجة لرحيل هاجر..ستنفجر أمها باكية اذا علمت بأمر الجواب....
تخرج الجواب من الدرج مرة اخرى و هى تنظر بتقزز الى الخط الردئ و الحروف المعوجة و الأخطاء الإملائية و تدسه فى جيبها..تحضر العشاء و تذهب الى غرفة الأم بالصنية و تغلق الباب بقدمها من خلفها.





اهداء الى جدتى الله يرحمها

الخميس، 18 أغسطس 2011

Lovestruck

بدأت تقتنع تماماً انها بالفعل مريضة .
بلا شك , الفراغ الداخلى يزيد من احساسها بالبرد فتفكر قبل النوم فى شرب رشفتين من البنزين مع عود ثقاب مشتعل ,لا لشئ سوى التدفئة و ايقاد نارا تضئ بين جوانحها الصماء المتجمدة الشديدة الثقل .
يرن هاتفها تحت الوسادة فترتجف..أصبحت المكلمات الهاتفية تخيفها..كذلك جرس باب الشفة و شخللة المفاتيح و تلك الرنة المزعجة التى يصدرها الميكرويف فور انتهائه من تسخين الطعام..و باتت الأصوات البشرية مزعجة بشكل لا يُحتمل حيث النداء و الأوامر و البكاء و الضحك..كل شئ سواء .
تفكر فى تغيير هذا اللحن الشجى الذى يؤلمها كلما رن الهاتف فلا تستطيع..اعتادت ان تسمع موسيقى " يا نسيم الريح " و آهات مارسيل خليفة عند اتصال أحدهم .
لم ترد لأن ذلك يطلب الكثير من الكلام و الضحك و الأصوات التى لم نعد تحب ان تصدرها او تسمعها .
هى فقط تريد سماع الأغنية على الرغم من العواقب المتوقعة.

"يا نسيم الريح قولى للرشا         لم يزدنى الوٍرد الا عطشا لى حبيب حبه وسط الحشا         ان يشا يمشى على خدى مشى"

نعم كان لديها استعداد تام ان تترك له خدها ليمشى عليه ان اشتهى ذلك..لماذا لم يخبرها ان الأغنية من كلمات الحلاج أم تراه لم يعرف..لو كانت فى وقت سابق لاتصلت به فوراً لتخبره..
أخذت تردد رقم هاتفه الذى حفظته عن ظهر قلب و هى تشعر بالقشعريرة .

" أقول لما طار عنى الكرى قول معنى قلبه هائم يا نائماً أيقظنى حبه هب لى رقاداً أيها النائم ! "

تكاد تجزم أنه نائم الآن..لا يكترث البتة بما أشعله فى صدرها من لوعة و افكار مزدحمة متلاحقة كنبضات قلب فتاة قبلها حبيبها قبلة خاطفة على خدها الأيسر.

" أهواك و لى قلب بغرامك يلتهب   تدنيه فيقترب تقصيه فيغترب
فى الظلمة يكتئب و يهدهده التعب    فيذوب و ينسكب كالدمع من المقل "

حتى فيروز أصبحت تتآمر عليها معظم الوقت..لم يعد أمامها الا سعد الصغير الذى لم يكشف سرها بعد غالباً !
فيروز أجمل منك كثيراً..فمع العلم أنها تواجه مثيلاتى من المتيمات الباكيات يومياً فى الليل الا انها لم تسأم بعد..

أطفئت الآي بود فور انتهاء الأغنية و هى لا تدرى ما يمكن قوله أو فعله فى هذا الوقت...ربما القليل من الشعر يساعدها على الاسترخاء بعض الشىء

" يا من يعز علينا أن نفارقهم     وجداننا كل شئ بعدكم عدم  إذا ترحلت عن قوم و قد قدروا   ألا تفارقهم فالراحلون هم "
أعطته الكثير ليتمسك به و لم يفعل بل قطع كل ما يربط بينهما بدقة جراح محترف مع سبق الإصرار..لا بأس , هى تدرك تماماً أن الراحل هو.
ترى بوضوح الآن أن حالتها أصبحت كلاسيكية من الدرجة الأولى..فتكتب رسالة " عليك اللعنة ! " و قبل أن ترسلها اليه فعلا , تغلق الهاتف نهائياً و تبكى حتى النوم .

السبت، 30 يوليو 2011

Élodie

تسير فى وهن..جسد ثقيل غريب عنها..تتذكر و هى تجر ساقيها جراً كم كانت رشيقة , خفيفة و ناعمة .
تحمل حقيبتها الجلدية بداخلها القليل من الكتب التى تقرؤها فى المواصلات..كتب من النوع الخفيف الوقع مثل Agatha christie مترجمة إلى الفرنسية و بعض كتب  Maurice Leblanc و بعض الاوراق الخاصة بها و جواز السفر و بعض العملات المصرية و أخرى أجنبية قليلة القيمة.
الشمس حارقة و لم تعد بشرتها تتحمل أكثر..تقفز فى أذنيها بعض الثرثرة القريبة تحت مظلة واحدة ينهمر فوقها المطر الباريسى و هو يضع يده على كتفها فى رقة و خطواته تدب دبة ثابتة خافتة على الأرض المبللة .
عليها ان تحمل نفسها على السير ابعد..لا مفر لا نقود..ستوفر كل ما تبقى لها من نقود لتعود إلى فرنسا فى أقرب وقت..لا تصدق أنها الآن هنا و أنها اختارت أن تترك بلدها و أهلها و أصدقاءها من أجله بكامل إرادتها .
أصبحت تدرك بشكل أوضح أنها غبية و أنها أدركت ذلك فى وقت لا يجوز فيه الندم..عندما يختار المرء و يكافح من أجل ما لم يكن مقدراً له من الأساس تكون خيبة الأمل .
تفكر فى خلع حذائها الذى يعوق مشيها بشكل أسرع و لكنها تعدل عن تلك فكرة فى محاولة بائسة للحفاظ على ماء الوجه .
تمقت المصريين..كل ما هو مصرى أصبح يثير الحنق و السخط .
تحاول تذكر تفاصيل أكثر عن قصة حبها الوحيدة..ذلك اليوم الذى التقت به لأول مرة...
لقاء عادى..أقل من العادى فى حديقة منزل صوفى و زوجها الذى عرفها قائلا " je vous presente Dr. Mohamed..un cher ami " فينظر اليها بعينين صافيتين للتحية فتمد يدها مبتسمة " Elodie " .
لم تعرف وقتها ان محمد سيكون حياتها الجديدة..كانت تحسب نفسها مدللة و لكنها لم تكن كذلك..ما قبل محمد لا داعى من حسابه فهو بلا قيمة .
أصبح الجميع يعرفون أن لا وجود ل ايلودى بغير محمد.
تشتاق الى ابيها كثيرا و تحلم بحضن دافئ يعطيها بعض الطاقة , أبيها الذى كان يحب محمد كثيرا لغرامه بكل ما هو مصرى...ابيها الذى رفض زواجهما رفضا قاطعاَ...و فاتت سنة و لم يتحدث إليها .
" انتِ تعرفين تماماً اننا لا نستطيع الاستمرار سوياً..لا تجعلى الموضوع أصعب..aides moi..aides moi s'il te plait "
كيف سمحت لنفسها بهذا الهوان..كيف افلتت لجام دموعها و جعلتها تنسكب أمامه هكذا فى رجاء و هو يتخلى عنها و يسحب يديه التى يسندها بها بعنف فتقع و يسيل الدم من أنفها.
تخرج من جيب الjupe منديلا و تمسح أنفها الملطخ بالدماء..اللعنة على الحرارة .
تستسلم , تعد ما تحمله من نقود و تنتظر الحافلة .
فى وقت كهذا..من المستبعد ان تجد كرسيا واحدا للجلوس..تقف فى المنتصف و هى تتفادى نظرات البعض إلى ال jupe و إلى عينيها الزرقاوين و ذيل الحصان الأشقر الذى يصل إلى وسط ظهرها .
تكتشف انها لم تعد تتمكن من التعامل مع المصريين..مصريين بلا قلب بعيون وقحة غير تلك التى اعتادت ان تنظر اليها و هى تسير مع محمد.
مصر ماتت فى نظرها..لم يعد لها مكان هنا..حتى الحافلة لم يعد بها مكان لها..حتى الشارع لم يعد فيه مكان لها.
اصبح من الصعب التماسك الآن فتترك اللجام لدموعها لتنهمر فى صمت مرة أخرى .
تمتد يد الى كتفها فتنتفض و فى سرعة , تنظر الى الخلف.
امرأة فى الأربعين من عمرها ترتدى شيئا رماديا بلا معالم , وجهها باهت بلا مساحيق فقط الكثير من الكحل الغليظ فى العينين , تتزحزح قليلا و تلتصق بالشباك مشيرة لها بيدها الجافة المتعبة الى مساحة ضئيلة بجانبها..فجلست و هى تنظر الى المرأة فى دهشة...
لا مصر لم تمت و المصريون يدركون الجمال الحقيقى كما يقول والدها دائما..لم تدرك وقتها ما حدث تماما و لكنها استندت على صدر الغريبة القريبة منها و بكت..بكاء ممتنا..بكاء لم تندم عليه .
توقفت الحافلة و نزلت ايلودى.
ايلودى مغسولة نظيفة مشحونة...
دخلت شقتها الصغيرة جدا و هى تتأملها فتدرك انها شقة جميلة و رائحتها حلوة..تضع جواز السفر فى علبة مجوهراتها و تضع العلبة فى الدولاب كما كانت و تخلد الى نوم طيب فى سرير يريحها .

الأربعاء، 27 يوليو 2011

القليل

مشكلتك..نعم أعرفها تماما..
أنت تريد..تريد الكثير..الكثير من الافكار تشغل عقلك المتعب من التفكير و لا وقت للتنفيذ.
ربما يكون معك حق و إن كنت لا أتفق معك.
أخبرنى انت اذن..ماذا يفعل من لديه الكثير من الوقت و القليل..القليل جدا من الأفكار..القليل جدا من اللأفكار الصالحة , القابلة للتنفيذ .
أنت محق..الانتحار ليس حلا..انا أجبن من ذلك بكل الأحوال .
ماذا تفعل عندما تشعر انك لن تستطيع ان تكمل حياتك هكذا و انك اجبن من ان تنهيها بيديك ؟
لا عليك..سأكون بخير .
أتعرف..ربما اكون بحاجة الى قليل من الراحة فقط..نعم القليل..و لكنى أنام كثيرا..أنام عشرين ساعة كحد أدنى !
انتظر..انا لست مكتئبة..
أنا فقط اريد ان اتكلم معك..قليلا..
ألازلت تسمعنى؟
هل تشعر بالنعاس؟
أستطيع ان اؤجل كلامى معك الى الغد..كما ترى , لدى الكثير من الوقت لاطلعك على ما اريد.
لا لا لم تحبطنى..على الاطلاق..و أنا لن انتحر كذلك..اطمئن لازلت جبانة كما أنا دائما.
هلا مررت غدا حتى نكمل حديثنا..ان امكن ؟!

الأحد، 17 يوليو 2011

أضغاث احلام

تبدأ حكاويها بفنجال من القهوة السادة التى لا تشربها عادة , فقد اعتادت طعمها المظبوط الذى لا زيادة فى سكره و لا نقصان . لكنها اليوم اختارت بعض التغيير لتثبت لنفسها شيئا متأثرة بذلك الحلم .

مطبخ فخم يغلب عليه اللون البنى و الرخام اللامع التظيف..يوجد فى احد اركانه طاولة مستديرة و كرسيان ...حملت الصنية الى الطاولة افرغت القهوة فى فنجالين و قدمت احدهما الى خطيبها الجالس على الكرسى المقابل..يشربان القهوة بتلذذ ثم يبدأ هو بالبكاء و ينخرط فيه..يفز واقفا و منتحبا يقول " انا لا استطيع ان اتزوج من امرأة لا تحب القهوة الا لأنها مرة " ثم يخرج بشكل مسرحى خارج الحلم .

لم تجد لهذا الحلم تفسيرا ..قالت لها اختها ان البكاء فى المنام خير , فهل تصدق ؟
و ان , فهل يكون الخير من نصيبها ام من نصيب ذلك الخطيب ؟
ثم من يكون ذلك الباكى الأسيف من الأساس ؟
تتنهد متأملة يديها الخاليتين من الخواتم و ترتشف القهوة .
لا تعرف لم يزعجها حلم كهذا على الرغم من كونه الطف كثيرا من احلام اخرى لم تعد تندهش من رؤياها .
تتذكر ما قيل لها عن برج الدلو و انه برج تعيس قد لا يفارقه النكد فيصل بعدها الى حالة من الزهد فيتقرب الى الله مع الوقت.
تتذكر ان منكوبى هذا البرج تتحقق رؤياهم كئيبة كانت او بهيجة فتحاول جاهدة ان تفكر فى اشياء سعيدة بغرض استدعائها فلا تستطيع..لا تتمكن الا فى التفكير فى ذلك اليوم الذى ذهبت فيه برفقة امها لتواسى صديقة و امها فى وفاة الجدة حيث تبادلت نظرات ذات مغزى مع صديقة اخرى لهما , الصديقة الوحيدة التى اختارتها لتقص عليها حلم سخيف مضمونه موت الجدة بعد عودتهم من رحلة استجمامية فى جمصة .
و لم يكن ذلك غريبا بالنسبة لمن يشعر باشخاص تتحرك بلا جسد من حوله طوال الوقت..ينظر اليها بسرعة فلا يرى احدا .
نُصحت بتلاوة " قل اعوذ برب الناس " لكن الخيالات لم تختفى .
و وقع الاقدام الذى يلاحقها اينما ذهبت..بدأ ذلك فى زيارة عائلية حين تعالت اصوات الخطوات فنبهت ابنة خالها بتفقد ابنها الذى يضرب الارض بقدمه , فتؤكد فى قلق ان ابنها فى تمرين السباحة.
كثيرا ما اقتربت فى حذر من الباب و فتحته سريعا بحركة مباغتة للامساك بهذا الذى يصدر اصواتا تزعجها متلبسا و لكنها لم تجد احدا.
عندما اصبح وقع الاقدام مستمرا لا يطاق , اضطرت كارهة ان تستشير بعض الاطباء..اشعة مقطعية على الجمجمة..تفقد شرايين الاذنين..علاج نفسى....و لم يختفى وقع القدم الخفى .

تفكر كثيرا فى ان الحياة اصبحت تسير فى مكانها..محلك سر...كلعبة اطفال بزنبلك حين ترتطم بالجدار و لا تكف عن الحركة حيث ساقها حظها العاثر.
لا سبيل من قص الشعر , تؤمن ان الاحزان الفائضة تتشبث بنهايات الشعر و ان المشكلات غير المنتهية عالقة فى اطرافه..ربما يكون هذا هو السبب فى شعورها الدائم بأن رأسها ثقيل اكثر مما ينبغى.

تتوق نفسها الى بحر اسكندرية فتحاول تذكر تلك الرائحة و لا تستطيع..تتذكر شعورها عند الغطس فى مائه المالح و ذلك الاحساس بأن هناك روح ما تجذبها الى اسفل وانها ستكون افضل حالا فى احشاء البحر...تشغل نفسها بدس اصبعها فى البن الموجود فى فنجالها الفارغ و ترسم به بعض الاشكال التى لم تعرف لها معنى وتقرر شرب المزيد من القهوة الخالية من السكر .

الجمعة، 1 يوليو 2011

احترف النظر و الانتظار

هنا على الشاطئ الرملى شديد البرودة انتظرك..لم يشغلنى ضوء القمر الفضى الذى يغذى جنيات البحر فى أحشائه عن النظر الى أبعد نقطة استطيع رؤيتها .
هناك بعيدا حيث اعرف أنك موجود..ربما تكون نائماً الآن أو على طاولة مع فتاة ما أوسع منى عيناً او أنعم منى شعرًا و لكنها ليست أدق منى نظراً و لا أكثر منى شوقاً , تشربون النبيذ القديم و تأكلون شرائح الجبن المشوى الذى تحبه .
كان البحر ليلاً يخيفنى و لم يكن بهذه الرومانسية فى البداية , لكننى الِفته و لم يعد غريباً عنى..بات يربت على أطراف قدمى عندما تجتاحنى نوبات البرد مبللا اياها بمائه الدافئ..ظننت ان ماء الليل بارد و لكنى اكتشفت انه أحر و أنعم مما كنت أعتقد .
لم اعرف بعد  إذا كانت رسائلى تصلك و لكننى لم أتوقف عن إرسالها لك..ربما يغيب القمر بضعة أيام و لكنه لا يضيع رسائلى ابدا..لقد وعدنى .
دعنا من القمر الآن , فقد بدأ بياض الفجر فى الظهور , بدأ البحر يستعيد زرقته و بدأت الرمال تستعيد لونها الترابى المعتاد فى ذلك الوقت.
الضباب يكتسح..لم اعد ارى الا شعاعاً متبقى من ضوء القمر المستتر.
ربما القليل من النوم يفيد..كلما وضعت رأسى على وسادتى الرملية الناعمة راودنى طيفك , فأقف سريعً معتقدة أنك قريب و لا أجدك .
ابدأ فى صنع عقداً من القواقع الصغيرة المبعثرة هنا و هناك فى انتظار أشعة الشمس الوليدة..
ها قد لاحت فى كسل و بدأ يدغدغنى شعاعها الدافئ.
اصبحت الرؤية أوضح ..انا أرى حافة العالم..انا أرى نهايته..ليست بعيدة كما تظن..إنها قريبة للغاية..ربما إن سبحنا معا لبلغناها دون عناء يُذكر.
اليوم هنا يمربطيئا لكنه ليس مملا..مشاهدة البحر و أمواجه الثائرة ثم الاستمتاع بصوت تنفسه العميق و نفاذ رائحته التركوازية الانطباع و مذاقه المالح النكهة يجدد احساسى الدائم به و يؤنسنى .
فى أسوأ الاحتمالات , إذا لم تعد يوما أبدا , ربما-فقط ان حدث ذلك- لن اشعر بالأسى الشديد..لن أصرخ..لن القى بنفسى فى أحضان هذا البحر الذى شهد انتظارى الطويل لك..لن اترك للرمال المجال لابتلاعى..
فقط ربما سأبكى قليلا..اذا استطعت البكاء..فعيناى بدأتا فى التحجر الفعلى فى المقلتين من فرط التحديق فى ذلك الخط الرفيع الذى يربط البحر بالسماء..ربما سأحاول الوصول الى ذلك الخط على رغم من صعوبة بلوغه وحدى بدونك..و لكنى إن فعلت فسأكون أول فتاة تصل إلى حافة العالم..إلى المنتهى .

الاثنين، 27 يونيو 2011

ماذا لو ؟!

ماذا لو لم تذهب الى الجامعة فى ذلك اليوم..لو لم تخرج مسرعا و لم تصتدم بها فيقع ذلك الماكيت الدقيق من بين يديها وقعة تجهز على عمره الافتراضى..ماذا لو كنت اتبعت المنهج الكلاسيكى و نزلت على ركبتيك معتذرا و أنت تحاول تجميع أشيائها المنثورة..لو لم تضحك عندما احمر وجهها غضبا بالتأكيد ما كانت لتصفعك , ما كانت جاءت فى اليوم التالى باحثة عنك فى كل ارجاء الجامعة ثم تتفاجأ  ليلا بمكالمة من مجهول ثم تعرف انها المتصلة من اختفاء حرف الراء من كلامها.
ماذا لو لم تقبل اعتذارها الحار و لم تصيرا صاحبين..ربما ما كنت لتحبها..ربما لم تكن لتهتم بحضور حفلاتها السخيفة و الامسيات الشعرية المملة التى تعجبها و تزعجك .
لو لم تهديك ذلك الخاتم فى عيد ميلادك..لو لم تكتشف انها تحب الكشرى هذا الحب العميق مثلك..انها تحب اللون الاخضر اكثر من الازرق..انها تستطيع صنع كوفية من التريكو مثل جدتك..ربما ما كنت لتحبها كما تفعل الان.
ماذا لو لم تنم أمس..ماذا لو سمعت هاتفك الجوال و هو يصرخ كى ترد..ماذا لو كنت تحدثت اليها..ربما ما كنت لتحزن عندما تكتشف اليوم انها ماتت و انك اخر شخص ارادت ان تسمع صوته.

الثلاثاء، 31 مايو 2011

اشياء صغيرة

أتعرف تلك الأشياء الصغيرة التى تستطيع  غريزياً بدون قطرة شر او تدبير دنئ ان تثير حنقك و تعكر صفو مزاجك المعكر خِلقة احيانا؟

مثلاً ذلك البائع..بائع الانابيب الذى يجوب شوارع وسط البلد قارعا يزف أنابيبه لمن يحتاج , اعتقد انه رجل طيب و لا يقصد أبدا ان يزعجنى و لكنى اريد بشدة ان اخبره ان التعليم بدونه فى مدرسة فى شارع محمود بسيونى كان ليصبح اسهل و اقل ازعاجا بعض الشئ .
ربما اذا احترم الناس التشكيل و الضبط ايضا و امتنعوا عن نطق اسم " مريم" الرائع " مريِم " بكسر الياء كنت سأفكر جديا فى تسمية طفلتى المستقبلية " مريم "..مفتوحة كما ذكرت فى القران .

لا ادرى ان كان هذا طبيعيا ام ماذا , و لكنى امتنع عن شراء ايا كان ما يبيعه محل هناك خطأ جسيم فى كتابة اسمه على اللافتة..و لكن يبقى السؤال قائما : "بتتفزلك ليه ؟! " أو اهم  " ليه تكسب اقل لما ممكن تكسب اكتر ؟! "

لا اعرف تحديدا ما يجعل فتاة فى ريعان شبابها الى الامساك ببلاك بيريها فى يدها مشهرة اياه و كأنه سلاح فتاك بينما تحمل حقيبة شبه فارغة و أكبر منها حجما .

و أظن ان استذكار ادب ثانوية عامة سيصبح اسهل كثيرا ان تم تلخيص دروسه فى جملة " اختلاط العرب بالاجانب ادى الى كل خير " .

ذلك الوقت الذى لا ترحب فيه بالضوضاء و كرد فعل مثالى يبدأ الجميع من حولك فى الكلام و الضحك و الشجار , ثم تحمد ربنا ان فلان اتصل بك لأنك تريد أن تخبره أمرا مهما..تطلب منهم الهدوء فلا يلتفتون اليك..و فى اللحظة التى تقرر فيها استغلال الضوضاء و تدرك جانبها المحمود لتقول ما لا تريد لغير فلان معرفته , يصمت الجميع و ينظرون اليك باسمين , فتبتلع الكلمتين المحشورين فى زورك و تغلق السماعة و انت تتخيل انك تشعل فيهم النار .

هذا الرجل فى السينما الذى يوصلك الى كرسيك ثم ينتظر قائلا برنة تفهم غرضها " اى خدمة تانية يا فندم ؟ " ثم ينظر اليك متأففا فى نهايو الفيلم لأنك تريد انتظار كتابة جميع الاسامى و لأنك لم تغادر الا بعد ان عرفت اسماء المصورين و المسؤول عن البوفيه و الستايليست فقط لأنك تؤمن انه من الواجب ان تعرف من شارك فى صنع الفيلم كنوع من التقدير على الأقل..اشمعنى الممثلين يعنى ؟!

و تلك الشريحة المريبة من الناس الكويسين الذين يسخرون منك لأنك لا تنطق الثاء سين..فتقول " هو نص الر(ث)اء حفظ ؟ " عادى ببراءة , و عندما تنطق القاف قافا فينظرون اليك مندهشين.. وقد تنطق تلك الفتاة القاف كافا فى محاولة لاحراجك او لتوصل رسالة قصيرة الى زميلة لها " انا أرق منك :P "..مع العلم انها تشمئز كثيرا ممن ينطقون ال " P " " B " مثلا !
و احيانا تصدمك احداهن قائلة ParPie و كأن BarBie هذا "بلدى اوى يا جماعة !"

هذه كانت عينة صغيرة من أشياء بسيطة تستطيع غريزيا بدون قطرة شر او تدبير دنئ ان تثير حنقى و تعكر صفو مزاجى المعكر خِلقة احيانا.

السبت، 23 أبريل 2011

أنا

نعم انا افضل ركوب القطار على استقلال طائرة حتى عند توفر الامكانية.
نعم انا احب السفر كثيرا و لكنى لا استطيع الابتعاد عن منزلى اكثر من خمسة ايام .
انا اذهب بكامل ارادتى و اقص شعرى قصا مبرحا على الرغم من حبى للشعر الطويل.
نعم انا اسمع " Les feuilles mortes " بشكل مبالغ فيه لأنها تعيد الىَ ذكرياتى القديمة مع اصذقاء ذهبوا بلا عودة..و ان عادوا فلا اعتقد انى قد اقبلهم من جديد , و لكنى اسمعها .
انا من ترفض الكثير من عروض الحب و تسير فى الطرقات تغنى بصوت منخفض " انا دبت و جزمتى نعلها داب من كتر التدوير ع الاحباب..."
انا كذلك من كان يقصدها صلاح جاهين حين قال " انا قلبى مزيكا بمفاتيح من لمسة يغنى لك تفاريح..مع انى مافطرتش و جعان و معذب و متيم و جريح "..و انا من كان يقصدها محمود درويش حين قال " بداخلى شرفة لا يمر بها احد للتحية " .
انا اعتقد احيانا اننى عشت هذه الحياة من قبل و ان الامر اكبر بكثير من مجرد " deja vu " كما يظن البعض .
انا من تبتسم لمن يوصل الطعام الى المنزل و انا من تتحدث مع عساكر المرور...
انا التى انشأ علاقة صداقة مع سيدة لطيفة فى سيارة مجاورة اثناء اشارة مرور طويلة..و انا ذاتها التى تجد صعوبة فى التعامل مع الكثيرين.
انا اسمع " يا نسيم الريح " يوميا عدة مرات ليس لأن موسيقى و غناء مارسيل خليفة رائعين و كلمات الحلاج تمس القلوب مباشرةً و حسب و لكن لانها تبكينى كثيرا ايضا .
و نعم انا اضحك ملئ قلبى و فمى مع انى اعرف جيدا مدى بلاهة ضحكتى.
انا التى تكتب كثيرا ما لا استفادة منه و مع ذلك لا تتوقف عن الكتابة.
انا التى قد تبذل كل جهدها فى اصلاح حياتك بينما تعجز حتى عن ترتيب جدول اعمالها اليومية البسيطة .
انا التى لن يفوتك الكثير ان لم تعرفنى و لكنك لن تندم ابدا ان فعلت .

الأربعاء، 6 أبريل 2011

موضوع نسبى ككل المواضيع

ما زلت اشعر برغبة ملحة فى نوم اطول , فأربع ساعات لشخص اعتاد ان ينام اثنى عشر ساعة او اكثر تعتبر قيلولة..و مع ذلك اريد فتح هذه النافذة لتدخل اشعة الشمس تطهر غرفتى و تزودنى بفيتامين ب ... اتخذ خطوات سريعة متحمسة تجاه النافذة  , ثم اتراجع .. اتسرقنا من قيل بسبب فتح هذه النافذة المطلة على حديقة صغرة كان بها اول و اخر شجرة زرعتها بيدى..قرر الجيران قطع شجرتى لانها تسهل وصول اللصوص للأدوار العليا ... فى الواقع عمارتنا تعرضت للسرقة مرات عدة , حتى انا لم اسلم منها فقد فقدت هاتفى الجوال بالطريقة ذاتها..اتقهرت..ليس فقط لتعلقى به او وسواس  الاحتفاظ بالرسائل او صور اخر رحلة لدريم بارك , و لكنه احساس سخيف فعلا ان تشعر انك مسلوب , منهوب , مسروق..ناهيك بالطبع عن اهمية الهاتف الجوال فى الحياة اليومية .. لقد ادركت بالفعل اننا لا نشعر بقيمة ما لدينا حتى نفقده , فالخروج من المنزل بدون هاتف كالخروج منه بدون حذاء و ذلك احساس سخيف كذلك .
اتجهت مرة اخرى الى الشباك و فتحته , فنور الشمس يستحق المخاطرة و احيانا المعاناة , و بصوت ليس منخفضا قلت " على فكرة انا مش خايفة يعنى..عايز تسرق اسرق اصلا "..بعد تمعن , احسست انه سيكون لصا يدعو الى الشفقة , ماذا سيسرق من غرفتى يا حسرة ؟!
القيت نظرة فاحصة على غرفتى العزيزة , فوجدتها بالفعل كنز كبير...
بها كتبى التى احبها و تؤنسنى ليلا.." نانيس " اقرب الدمى الى قلبى..صورتى مع اختى حين لم تكن قدمينا تصل الى الارض فى وضع الجلوس .. زجاجة العطر التى احبها و احب من اهداها الىّ ... السترة الصوفية التى صنعتها لى جدتى رحمها الله بنفسها....
على رغم من شعورى بالخوف على ممتلكاتى الغالية , لم اغلق النافذة..و نسيت فى تلك اللحظة كل ما يتعلق برحلة فينيسا , و الكاميرا الNikon D3X و الصيد فى المحيط الهادى و القبلة عند ال tour eiffel و كل احلامى الاخرى , و رأيت ما بين يدى فعليا.
ثم يأتى الشعور بالخوف..عموما ذلك الاحساس معتاد بالسبة الى..انا خائفة معظم الوقت لسبب غير مبرر بدأت استنتج انه الخوف من الفقد..عندما تتيقن تماما ان لكل شىء نهاية تدرك حجم المأساة فى بعض الحالات...
فى نظرى القليل من الخوف ليس شيئا سلبيا..على الاقل انت تدرك انه ما زال لديك ما تخاف عليه..او تخاف من فقده...
الى جانب ذلك الشعور ينتابنى الشعور بالحنين لشخص لا اتذكر ملامحه جيدا..لرائحة اخترقت انفى اثناء نومى فايقظتنى..و احيانا لمكان لم تطأه قدمى بعد...
المستفز فى الأمر , ذلك الاحساس فى الرغبة فى الرجوع و كأننى فى سفر طويل..اريد العودة الى البيت و انا بداخله اصلا..عايزة اروَّح..بس اروَّح فين اكتر من كدة ؟!
ما يجعلنى اتقبل الامر بصبر و هدوء , قصص الغربة التى اسمعها من حين لاخر..و اهو اللى يشوف بلاوى  الناس تهون عليه بلوته .
و لكن ترى من يكون صاحب البلوى الكبرى فى هذه الحياة ؟
من ذلك المبتلى الأسوأ حظا من الجميع ؟
ثم اعود و اتذكر ان الفكرة ليست فى البلوى و انما فى طريقة تعامل المبتلى مع البلوى..موضوع نسبى ككل المواضيع..
اللعنة على اينشتاين اذا !
و اللعنة على نيوتن بالمرة..ذلك الرجل بتاع التفاح الذى نجح بمهارة فى تفتيت اخر ذرة اعجاب فى نفسى بالرياضة و الحساب !

الخميس، 17 مارس 2011

ذلك المقهى

بدأ التحدث عن تجربته التطوعية فى احدى الجمعيات الخيرية الشهيرة ممسكا بأذن ذلك الفنجان الأزرق الذى يتميز به ذلك المقهى .

لم تكن تعيرنى انتباها..كنت اشك انها تسمعنى اساسا..حاولت ان احدثها عن نشاطى الخيرى الجديد نظرا لنزعة الخير التى تأن بداخلها دائما.

لم يلاحظ انى لم اكن فى مزاج رائق للاستماع و أننى انا من يريد الكلام و استمر فى حديثه .

تعمدت ان ادير لها الناحية اليسرى من وجهى لما تذكرته من كلام صديقة قديمة كانت تقول لى انه جذاب .

حاولت ان اشعره اننى لا ارحب بالحديث و اننى هذا المساء اريد ان اتكلم , فأخذت اشرب قهوتى فى بطء موجهة نظراتى الى طاولة الرجل العجوز ذو الجريدة.

اعلم جيدا انها تحب كبار السن و لكن ليس لدرجة ان تفضل النظر الى رجل غريب معه جريدة على طاولة قريبة على ان تعيرنى اذنا .

يتكلم يتكلم يتكلم..لا يكل..لا يشعر بى على الاطلاق .

صمتها يغضبنى الى حد الجنون..لا اريد شجارا.

نظر الى فى دهشة و غضب شديد يملئ عينيه متسائلا فى غباء عما بى .

ببرود جاوبتنى ان علينا المضى .

اخرج من جيبه مالا لا ادرى تحديدا قيمته و اظن انه يجهلها ايضا .

ابتعدت مسرعة , اشارت الى تاكسى ركبته , و تركتنى عند باب ذلك المقهى .


هى
هو

الخميس، 24 فبراير 2011

Flashback

ماج كبير من النسكافيه البلاك مع أمنية دفينة أنتظرها كل شتوية بأن تخضع الدنيا و تشتى ياسمين .
نعم , اعترف ان قراءة سورة الكهف يوم الجمعة فى البلكونة لها مذاق خاص , و خصوصا عندما تلحقها دعوات صادقة صادرة من الخافق التعب , و احساس داخلى بايماءة سماوية مطمئنة بأن كل شئ سيكون على ما يرام .
فى توقيت كهذا , يمتلئ عقلى بالخواطر المتسلسلة التى لا رابط بينها على الاطلاق .
فى البداية ذلك السؤال الذى يشغلنى طوال الوقت : " ترى كم شخص فى هذا العالم يفكر فى هذه اللحظة بالذات فيما أفكر فيه فى هذه اللحظة بالذات ؟ "
افكر حاليا فى طفولتى مقارنة بطفولة ابناء خالى الصغار من ناحية عقلية الجيل ليس الا..أفكر فيما يعتبره البعض براءة و ما يظنه اخرون سذاجة...و لكن فعلا , كيف صدقت أمى عندما كانت تقول لى ان العصفورة اخبرتها اننى تركت سندويتشاتى خلف الشجرة و كنت اراقب العصافير حتى امسك بتلك العصفورة الفتانة التى اطلعتها على أمرى..تلك العصفورة الحمقاء التى لم تعرف اننى تركت سندويتشاتى خلف تلك الشجرة حتى تأكل هى و أصدقاؤها العصافير.
عندما جربت حيلة العصفورة قالت لى مع ابن خالى , صدمت فى نفسى و طفولتى , فقد كان رد الفعل نظرة تحمل الكثير من معانى الشفقة و الصدمة و السخرية و نظرة تساؤلية ملحقة بها " انتِ عبيطة ؟! "
و انتقالا من طفولتى الى مرحلة شباب متقدمة لم تحن بعد..شعر طويل و رجيم قارس دائم للحفاظ على تلك الصورة التى قفزت فى بالى فى هذه اللحظة..أظن اننى شأظل ذائما أحب اللونين الأبيض و الأسود فيما يتعلق بالملابس...ربما سألجأ الى الكعب العالى..على الانسان ان يتجاهل الألم اذا أراد ان يحظى بالقليل من الاعجاب بنفسه .
و مع رشفة نسكافيه عميقة  ارجع بتفكيرى قليلا , فأتذكر د.أحمد بدران ! الحقيقة اشتقت اليه كثيرا...كان على عكس ما يرى الجميع بما فيهم الممرضات , كان شخصا لطيفا..بغض النظر عن ردوده الحادة و قلة صبره و دخوله ملطخا بالدماء غرفة العمليات مطالبا اياى بالصمت " عشان يخلص " , فقد كان ينادينى " كوكو " و هذا كافى لافتقاده .
حياة الانسان بعد العمليات الجراحية ليست سيئة كما اكتشفت..تكون قد عرفت من يكترثون لأمرك حقا , تدرك كثيرا قيمة الحياة التى كادت تسلب منك , تعود لأكل الجبنة الرومى و الجمبرى بلا خوف و كأنك تأكل لأول و اخر مرة , و حصل على الكثير من الورود و الهدايا .
لا تزال هناك وردة من بين تلك الورود المهداة الىّ فى كتاب لا تحزن الذى كان ضمن أجمل هدايا ما بعد العملية .
"ترى كم شخص يتلقى الورود فى هذه اللحظة؟ " " كم شخص ينتظر ان يبعث احدهم اليه وردة ؟ "
اتذكر كلامى مع أول صديق أخذ رغبتى فى ان يبعث احدهم لى جوابا على محمل الجد , و أول صديقة تقوم بهذا الأمر من أجلى و ترسل الىّ واحدا...يزيد احساسى بالامتنان الدائم الى رحمة الله و شدة لطفه و يزيد طرديا معه احساسى بأن واجب الانسان تجاه نفسه ان يتمسك بأى ذكرى تجعله يبتسم .
من المؤسف ذائما ان تفكر فى وجع الحياة و لكنك احيانا تتصبر بيقينك بأن هناك شخص ما فى مكان ما فى هذا العالم يبحث عنك انت .

الأحد، 9 يناير 2011

أم صلاح

كم انت جميل يا صلاح ! أنت تبهرنى بالفعل !
كنت ابن الثلاث شهور و كنت كثير الابتسام و الضحك..كنت أخف ظلا حتى من عمك مصطفى زوج خالتك المشهور بنكاته و خفة دمه و روحه المرحة برغم كثرة مصائبه و حالات الوفاة المستمرة فى عائلته .
و عندما اصبحت فى الخامسة , كنت محترفا فى تقليد الممثلين و الاعلانات و المشاهد السينمائية , و قد اهتم والدك بذلك كثيرا  و أخذ يصطحبك معه الى اصدقائه و يريك أفلاما و مشاهد و يقص عليك قصص و شعر. لم يخطئ عبده فى تسميتك صلاح , اختاره لك تيمنا بصلاح جاهين و خاصة عندما ولدت مبتسما, ممتلئ الجسم , طفولى الوجه و الحركة .
و ها انت فى الثانية عشرة من عمرك يا صغيرى , تكتب قصصا و شعرا و تقرأ و تطلع و لم تتغير أبدا صفاتك المرحة الجميلة .
كنت و لازلت كأى أم أحب ابنى و اخاف عليه...حسادك كثيرون يا صلاح و ليتك تدرك ذلك يا عبده...لا يحضر صمتا الا و طردته على الفور بحديثك عن مواهب ابنك المتعددة , اعلم انك تكره ذللك يا بنى , و لكنى أم , و أخشى ان يصيبك مكروه..أنهك الى عدم اطلاق النكات عندما نكون عند عمتك نيرة , و أحذرك من الحديث مع خالتى عزة التى لا احفاد لها , فابنتها الوحيدة لم تنجب و كان ذلك سببا فى طلاقها .
و مع ذلك لا تهتم , و تكمل مزاحك و شعرك و قصصك , غير مبالى بالعواقب , ز يشجعك أبوك .
أتيتنى ذات يوم بورق و طلبت منى الاطلاع عليه , و كم كانت دهشتى..انت تكتب عن الحب يا صلاح !..كنت سعيدة بكتابتك تلك , و أسلوبك الشيق الذى أعجبنى و أعجب الجميع...و لكننى خفت .
انت تكبر سريعا -ما شاء الله - و لا تعطينى فرصة لادراك ذلك و استيعابه كما ينبغى..هلى تحب فعلا و تنقل لى معاناتك على الورق؟..ليتك تشرح لى و تريح قلبى...لا تخجل من امك يا ولد ّ احكى لى عن حبك..هل تكون ابنة الحاج عصام جارنا ؟ أم تلك الفتاة التى تسكن مع جدها و جدتها فى الطابق الخامس ؟..و لكن لا , هذه الفتاة قبيحة جدا و انا اعرف ان ذوقك فى النساء جميلا كما هو ذوق ابيك .
كنت أعرف انك برغك ثرثرتك المعتادة مع من تعرف و من لا تعرف , انك لن تبوح بشئ , حتى عندما دفعت ابيك الى غرفتك ليسألك , و طلبت منه ان يخبرنى بكل حرف تفوهت به .
خفت اكثر عندما وجدتك تتحدث الى عمك مصطفى مواسيا , و انت تقول له ان الموت رحمة من الله و حق على الجميع و انك لا تخشى الموت ...لم نستطع , لا انا و لا زوج اختى , ان نفسر سبب كلامك..مالك تتكلم و كأنك تناجى الموت نفسه يا صلاح؟!..ما كان يجدر بى ان اقول ذلك..انا اسفة يا حبيبى , ربنا يعطيك عمرا طويلا سعيدا يا بنى .
كنت تزداد غموضا كلما كبرت , و لم اعد انا , المرأة التى اكتفت بتعليمها الثانوى , استطيع فهم ما يدور فى خلدك .
كنت كلما شكوت لأبيك حالك , نبهنى الى اختلافك..انت مختلف..انت افضل..
كان ينهرنى عندما الح فى الشكوى و اتمادى تارة , و يربت على كتفى قائلا " لا تقلقى على صلاح يا ام صلاح " تارة .
الشئ الوحيد الذى لم يتغير فيك يا صلاح , هو روحك الفكاهية , حتى بعد وفاة عمك مصطفى , و حزن العائلة كلها على فقده , و حالة خالتك المسكينة التى أقامت معنا بالبيت , و يعد هذا الشئ الوحيد الذى روى فى قلبى الاطمئنان الذابل و انعشه .
و ها هى احلام ـاتى لتحص ذلك الاطمئنان لتضعه فى قلبك و تجعلك تأتى الى فى ذلك اليوم فى هدوء غير معتاد , انك تحب و انك تريد الزواج..فلا اتمالك نفسى و أجلس ابكى فرحا و انقباضا و خوفا و فرحا .
و ها نحن اليوم بطوله نزغرد , نعلق الزينات , نستقبل التهانى من كل حدب و صوب , فرحين لفرحك يا عزيزى .
قضينا عمرا جميلا معا يا صلاح , و ها أنا اسلمك بيدى لأحلام لترعاك , و انا اعلم انها ابنة حلال , ذات نسب طيب , و ستكون أما صالحة لأولادك ان شاء الله .
أوصلناك الى المنزل , انت و زوجتك , منذ قليل و شريط حياتنا معا يعيد نفسه فى الذاكرة...و لكن لم الحزن؟..فما زال للشريط بقية .