الأحد، 28 أغسطس 2011

ه ج ر

" ما تبقيش غشيمة امال ! "
فتنظرهاجر فى أسف إليها و متلعثمة تقول " ما هو أصل الغرز صغيرة اوى و الابرة بتفُط من صوابعى يا ابلة ليلى.."
فتعتدل فى فراشها ترفع بعض الشعيرات البيضاء الناعمة من أمام عينها و تقرب الفناة ذات التسع عشرة عاماً منها و هى تمسك بيديها الاثنتين الابرتين و فى بطء مفتعل تريها كيفية عمل الغرزة و ان الكروشيه فن جميل و نتيجته ملموسة و سريعة ثم  تغمز بعينها اليمنى قائلة " و اول حاجة هتعمليها , هاشتريها منك " , فتلمع عين الفتاة و تبتسم .
بينما تنهمك هاجر فى الكروشيه , تدخل الغرفة فتاة عشرينية شديدة بياض البشرة شديدة سواد الشعر و تقبل جبين والدتها و تلقى سلاما عابرا على هاجر..تتحرك فى سرعة , و هى تمد الى العجوز دواء الساعة الخامسة و هى تقول فى حنق " فات ساعة الا ربع على معاد الدوا " و تنظر الى هاجر نظرة أدركت معناها..فتلعثمت مبررة " والله يا آنسة إيمان محسناش بالوقت " ثم تضيف قائلة فى زهو شاهرة قطعة ملونة من القماش لا معالم لها  " شفتى ابلة ليلى علمتنى اعمل دة ".
تمتنع إيمان عن الرد و تلقى بكلمتها المعتادة فى أذن الأم " يا ماما هو احنا بندفعلها عشان نعلمها تريكو؟!..انا لو بارجع بدرى من الشغل كان زمانى باخد بالى من مواعيد الادوية بتاعتك "
فترد عليها جهرا غير عابئة " ملكيش دعوة بهاجر..و دة مش تريكو دة كروشيه.. "
تلف لسانها فى فمها سبع مرات حتى لا تتفوه بما يغضب امها و تشير فى هدوء الى هاجر " قومى اغسلى المواعين و رَوّحى "
فتفز واقفة و تسأل " احضرلك تاكلى ؟ "
فتنهى النقاش بحسمها المعروف " اغسلى المواعين و رَوّحى..بس "
تقترب إيمان و تنظر لامها فى حنو و هى تحاول ان تقنعها انها جلبت هاجر لتخدمهما لا لتزيد من همومها و مسئولياتها فتدافع عندا ليلى فى اشفاق معللة ان البنت يتيمة و انها ستساعدها لانها تستحق و ان المرتب و ان كان كافياً فانه لن يكفيها عمراً..ففتاة غير متعلمة مثل هاجر تحتاج الى صنعة تعتمد عليها فيما بعد اذا تبدلت الظروف .
فتنظر الي تجاعيد وجهها و عينيها المختفيتين خلف نظارة قديمة الطراز و هى تتنهد و تدعو دعوات صادقة داخلياً بأن يعطي الله والدتها الصحة و العافية و لا يغير قلبها الطيب هذا أبدا.

" هاجر "
فتشير الفتاة الى الهاء و هى تقول " مش دى اللى قلتى انها شبه الفيونكة ؟! "
فتبتسم السيدة العجوز " فيونكة فى نص الكلام..فى الأول بتتكتب كدة.." و أمسكت يد الفتاة الحاملة القلم الرصاص و هى تعدل من امساكها بالقلم " يللا اكتبيها 5 مرات "
تدخل إيمان مستفسرة عن سر التصفيق الذى سمعته فتضحك الأم معللة " هاجر دلوقتى بقت تقدر تفك الخط و تكتب كمان "
فتبتسم ابتسامة موهنة و تهم بالخروج لولا ان نادتها الأم تطلب منها قهوة الساعة السابعة و عصير طازج لهاجر حتى تستعيد نشاطها..فتدرك انها الان فى خدمة أمها و خادمة أمها و لكنها تعود بالقهوة و العصير..فقط لأنها لم تر أمها فى هذه الفرحة العارمة منذ فترة بعيدة.

" انا لازم امشى...ماتزعاليش مينى "
تلقى إيمان بالجواب فى الدرج و تلقى بنفسها على الكرسى و هى تسند رأسها إلى المكتب..مئات الأفكار و الخواطر و الأحاسيس الساخطة تسيطر عليها...يجب ان تعطى الجواب لأمها حتى لا تظن انها طردتها..كما سترى انها أصبحت تستطيع أن تُكوّن جملا قصيرة صادمة..ربما ليست صحيحة تماما ولكنها تفى بالغرض...أم أن عليها اختلاق حجة لرحيل هاجر..ستنفجر أمها باكية اذا علمت بأمر الجواب....
تخرج الجواب من الدرج مرة اخرى و هى تنظر بتقزز الى الخط الردئ و الحروف المعوجة و الأخطاء الإملائية و تدسه فى جيبها..تحضر العشاء و تذهب الى غرفة الأم بالصنية و تغلق الباب بقدمها من خلفها.





اهداء الى جدتى الله يرحمها

هناك 3 تعليقات:

  1. مممممممممممممم....مي جميلة أوى..انت ليكي أسلوب جميل بيخليني أشوف الحاجات اللي بتكتبيها..و حسيت أني شايفة جدتى رحمها الله ..بجد ربنا يوفقك يا حبيبتي :))))))))))))))

    ردحذف
  2. ربنا يخليكى يا سارة :))))))

    ردحذف