السبت، 30 يوليو 2011

Élodie

تسير فى وهن..جسد ثقيل غريب عنها..تتذكر و هى تجر ساقيها جراً كم كانت رشيقة , خفيفة و ناعمة .
تحمل حقيبتها الجلدية بداخلها القليل من الكتب التى تقرؤها فى المواصلات..كتب من النوع الخفيف الوقع مثل Agatha christie مترجمة إلى الفرنسية و بعض كتب  Maurice Leblanc و بعض الاوراق الخاصة بها و جواز السفر و بعض العملات المصرية و أخرى أجنبية قليلة القيمة.
الشمس حارقة و لم تعد بشرتها تتحمل أكثر..تقفز فى أذنيها بعض الثرثرة القريبة تحت مظلة واحدة ينهمر فوقها المطر الباريسى و هو يضع يده على كتفها فى رقة و خطواته تدب دبة ثابتة خافتة على الأرض المبللة .
عليها ان تحمل نفسها على السير ابعد..لا مفر لا نقود..ستوفر كل ما تبقى لها من نقود لتعود إلى فرنسا فى أقرب وقت..لا تصدق أنها الآن هنا و أنها اختارت أن تترك بلدها و أهلها و أصدقاءها من أجله بكامل إرادتها .
أصبحت تدرك بشكل أوضح أنها غبية و أنها أدركت ذلك فى وقت لا يجوز فيه الندم..عندما يختار المرء و يكافح من أجل ما لم يكن مقدراً له من الأساس تكون خيبة الأمل .
تفكر فى خلع حذائها الذى يعوق مشيها بشكل أسرع و لكنها تعدل عن تلك فكرة فى محاولة بائسة للحفاظ على ماء الوجه .
تمقت المصريين..كل ما هو مصرى أصبح يثير الحنق و السخط .
تحاول تذكر تفاصيل أكثر عن قصة حبها الوحيدة..ذلك اليوم الذى التقت به لأول مرة...
لقاء عادى..أقل من العادى فى حديقة منزل صوفى و زوجها الذى عرفها قائلا " je vous presente Dr. Mohamed..un cher ami " فينظر اليها بعينين صافيتين للتحية فتمد يدها مبتسمة " Elodie " .
لم تعرف وقتها ان محمد سيكون حياتها الجديدة..كانت تحسب نفسها مدللة و لكنها لم تكن كذلك..ما قبل محمد لا داعى من حسابه فهو بلا قيمة .
أصبح الجميع يعرفون أن لا وجود ل ايلودى بغير محمد.
تشتاق الى ابيها كثيرا و تحلم بحضن دافئ يعطيها بعض الطاقة , أبيها الذى كان يحب محمد كثيرا لغرامه بكل ما هو مصرى...ابيها الذى رفض زواجهما رفضا قاطعاَ...و فاتت سنة و لم يتحدث إليها .
" انتِ تعرفين تماماً اننا لا نستطيع الاستمرار سوياً..لا تجعلى الموضوع أصعب..aides moi..aides moi s'il te plait "
كيف سمحت لنفسها بهذا الهوان..كيف افلتت لجام دموعها و جعلتها تنسكب أمامه هكذا فى رجاء و هو يتخلى عنها و يسحب يديه التى يسندها بها بعنف فتقع و يسيل الدم من أنفها.
تخرج من جيب الjupe منديلا و تمسح أنفها الملطخ بالدماء..اللعنة على الحرارة .
تستسلم , تعد ما تحمله من نقود و تنتظر الحافلة .
فى وقت كهذا..من المستبعد ان تجد كرسيا واحدا للجلوس..تقف فى المنتصف و هى تتفادى نظرات البعض إلى ال jupe و إلى عينيها الزرقاوين و ذيل الحصان الأشقر الذى يصل إلى وسط ظهرها .
تكتشف انها لم تعد تتمكن من التعامل مع المصريين..مصريين بلا قلب بعيون وقحة غير تلك التى اعتادت ان تنظر اليها و هى تسير مع محمد.
مصر ماتت فى نظرها..لم يعد لها مكان هنا..حتى الحافلة لم يعد بها مكان لها..حتى الشارع لم يعد فيه مكان لها.
اصبح من الصعب التماسك الآن فتترك اللجام لدموعها لتنهمر فى صمت مرة أخرى .
تمتد يد الى كتفها فتنتفض و فى سرعة , تنظر الى الخلف.
امرأة فى الأربعين من عمرها ترتدى شيئا رماديا بلا معالم , وجهها باهت بلا مساحيق فقط الكثير من الكحل الغليظ فى العينين , تتزحزح قليلا و تلتصق بالشباك مشيرة لها بيدها الجافة المتعبة الى مساحة ضئيلة بجانبها..فجلست و هى تنظر الى المرأة فى دهشة...
لا مصر لم تمت و المصريون يدركون الجمال الحقيقى كما يقول والدها دائما..لم تدرك وقتها ما حدث تماما و لكنها استندت على صدر الغريبة القريبة منها و بكت..بكاء ممتنا..بكاء لم تندم عليه .
توقفت الحافلة و نزلت ايلودى.
ايلودى مغسولة نظيفة مشحونة...
دخلت شقتها الصغيرة جدا و هى تتأملها فتدرك انها شقة جميلة و رائحتها حلوة..تضع جواز السفر فى علبة مجوهراتها و تضع العلبة فى الدولاب كما كانت و تخلد الى نوم طيب فى سرير يريحها .

الأربعاء، 27 يوليو 2011

القليل

مشكلتك..نعم أعرفها تماما..
أنت تريد..تريد الكثير..الكثير من الافكار تشغل عقلك المتعب من التفكير و لا وقت للتنفيذ.
ربما يكون معك حق و إن كنت لا أتفق معك.
أخبرنى انت اذن..ماذا يفعل من لديه الكثير من الوقت و القليل..القليل جدا من الأفكار..القليل جدا من اللأفكار الصالحة , القابلة للتنفيذ .
أنت محق..الانتحار ليس حلا..انا أجبن من ذلك بكل الأحوال .
ماذا تفعل عندما تشعر انك لن تستطيع ان تكمل حياتك هكذا و انك اجبن من ان تنهيها بيديك ؟
لا عليك..سأكون بخير .
أتعرف..ربما اكون بحاجة الى قليل من الراحة فقط..نعم القليل..و لكنى أنام كثيرا..أنام عشرين ساعة كحد أدنى !
انتظر..انا لست مكتئبة..
أنا فقط اريد ان اتكلم معك..قليلا..
ألازلت تسمعنى؟
هل تشعر بالنعاس؟
أستطيع ان اؤجل كلامى معك الى الغد..كما ترى , لدى الكثير من الوقت لاطلعك على ما اريد.
لا لا لم تحبطنى..على الاطلاق..و أنا لن انتحر كذلك..اطمئن لازلت جبانة كما أنا دائما.
هلا مررت غدا حتى نكمل حديثنا..ان امكن ؟!

الأحد، 17 يوليو 2011

أضغاث احلام

تبدأ حكاويها بفنجال من القهوة السادة التى لا تشربها عادة , فقد اعتادت طعمها المظبوط الذى لا زيادة فى سكره و لا نقصان . لكنها اليوم اختارت بعض التغيير لتثبت لنفسها شيئا متأثرة بذلك الحلم .

مطبخ فخم يغلب عليه اللون البنى و الرخام اللامع التظيف..يوجد فى احد اركانه طاولة مستديرة و كرسيان ...حملت الصنية الى الطاولة افرغت القهوة فى فنجالين و قدمت احدهما الى خطيبها الجالس على الكرسى المقابل..يشربان القهوة بتلذذ ثم يبدأ هو بالبكاء و ينخرط فيه..يفز واقفا و منتحبا يقول " انا لا استطيع ان اتزوج من امرأة لا تحب القهوة الا لأنها مرة " ثم يخرج بشكل مسرحى خارج الحلم .

لم تجد لهذا الحلم تفسيرا ..قالت لها اختها ان البكاء فى المنام خير , فهل تصدق ؟
و ان , فهل يكون الخير من نصيبها ام من نصيب ذلك الخطيب ؟
ثم من يكون ذلك الباكى الأسيف من الأساس ؟
تتنهد متأملة يديها الخاليتين من الخواتم و ترتشف القهوة .
لا تعرف لم يزعجها حلم كهذا على الرغم من كونه الطف كثيرا من احلام اخرى لم تعد تندهش من رؤياها .
تتذكر ما قيل لها عن برج الدلو و انه برج تعيس قد لا يفارقه النكد فيصل بعدها الى حالة من الزهد فيتقرب الى الله مع الوقت.
تتذكر ان منكوبى هذا البرج تتحقق رؤياهم كئيبة كانت او بهيجة فتحاول جاهدة ان تفكر فى اشياء سعيدة بغرض استدعائها فلا تستطيع..لا تتمكن الا فى التفكير فى ذلك اليوم الذى ذهبت فيه برفقة امها لتواسى صديقة و امها فى وفاة الجدة حيث تبادلت نظرات ذات مغزى مع صديقة اخرى لهما , الصديقة الوحيدة التى اختارتها لتقص عليها حلم سخيف مضمونه موت الجدة بعد عودتهم من رحلة استجمامية فى جمصة .
و لم يكن ذلك غريبا بالنسبة لمن يشعر باشخاص تتحرك بلا جسد من حوله طوال الوقت..ينظر اليها بسرعة فلا يرى احدا .
نُصحت بتلاوة " قل اعوذ برب الناس " لكن الخيالات لم تختفى .
و وقع الاقدام الذى يلاحقها اينما ذهبت..بدأ ذلك فى زيارة عائلية حين تعالت اصوات الخطوات فنبهت ابنة خالها بتفقد ابنها الذى يضرب الارض بقدمه , فتؤكد فى قلق ان ابنها فى تمرين السباحة.
كثيرا ما اقتربت فى حذر من الباب و فتحته سريعا بحركة مباغتة للامساك بهذا الذى يصدر اصواتا تزعجها متلبسا و لكنها لم تجد احدا.
عندما اصبح وقع الاقدام مستمرا لا يطاق , اضطرت كارهة ان تستشير بعض الاطباء..اشعة مقطعية على الجمجمة..تفقد شرايين الاذنين..علاج نفسى....و لم يختفى وقع القدم الخفى .

تفكر كثيرا فى ان الحياة اصبحت تسير فى مكانها..محلك سر...كلعبة اطفال بزنبلك حين ترتطم بالجدار و لا تكف عن الحركة حيث ساقها حظها العاثر.
لا سبيل من قص الشعر , تؤمن ان الاحزان الفائضة تتشبث بنهايات الشعر و ان المشكلات غير المنتهية عالقة فى اطرافه..ربما يكون هذا هو السبب فى شعورها الدائم بأن رأسها ثقيل اكثر مما ينبغى.

تتوق نفسها الى بحر اسكندرية فتحاول تذكر تلك الرائحة و لا تستطيع..تتذكر شعورها عند الغطس فى مائه المالح و ذلك الاحساس بأن هناك روح ما تجذبها الى اسفل وانها ستكون افضل حالا فى احشاء البحر...تشغل نفسها بدس اصبعها فى البن الموجود فى فنجالها الفارغ و ترسم به بعض الاشكال التى لم تعرف لها معنى وتقرر شرب المزيد من القهوة الخالية من السكر .

الجمعة، 1 يوليو 2011

احترف النظر و الانتظار

هنا على الشاطئ الرملى شديد البرودة انتظرك..لم يشغلنى ضوء القمر الفضى الذى يغذى جنيات البحر فى أحشائه عن النظر الى أبعد نقطة استطيع رؤيتها .
هناك بعيدا حيث اعرف أنك موجود..ربما تكون نائماً الآن أو على طاولة مع فتاة ما أوسع منى عيناً او أنعم منى شعرًا و لكنها ليست أدق منى نظراً و لا أكثر منى شوقاً , تشربون النبيذ القديم و تأكلون شرائح الجبن المشوى الذى تحبه .
كان البحر ليلاً يخيفنى و لم يكن بهذه الرومانسية فى البداية , لكننى الِفته و لم يعد غريباً عنى..بات يربت على أطراف قدمى عندما تجتاحنى نوبات البرد مبللا اياها بمائه الدافئ..ظننت ان ماء الليل بارد و لكنى اكتشفت انه أحر و أنعم مما كنت أعتقد .
لم اعرف بعد  إذا كانت رسائلى تصلك و لكننى لم أتوقف عن إرسالها لك..ربما يغيب القمر بضعة أيام و لكنه لا يضيع رسائلى ابدا..لقد وعدنى .
دعنا من القمر الآن , فقد بدأ بياض الفجر فى الظهور , بدأ البحر يستعيد زرقته و بدأت الرمال تستعيد لونها الترابى المعتاد فى ذلك الوقت.
الضباب يكتسح..لم اعد ارى الا شعاعاً متبقى من ضوء القمر المستتر.
ربما القليل من النوم يفيد..كلما وضعت رأسى على وسادتى الرملية الناعمة راودنى طيفك , فأقف سريعً معتقدة أنك قريب و لا أجدك .
ابدأ فى صنع عقداً من القواقع الصغيرة المبعثرة هنا و هناك فى انتظار أشعة الشمس الوليدة..
ها قد لاحت فى كسل و بدأ يدغدغنى شعاعها الدافئ.
اصبحت الرؤية أوضح ..انا أرى حافة العالم..انا أرى نهايته..ليست بعيدة كما تظن..إنها قريبة للغاية..ربما إن سبحنا معا لبلغناها دون عناء يُذكر.
اليوم هنا يمربطيئا لكنه ليس مملا..مشاهدة البحر و أمواجه الثائرة ثم الاستمتاع بصوت تنفسه العميق و نفاذ رائحته التركوازية الانطباع و مذاقه المالح النكهة يجدد احساسى الدائم به و يؤنسنى .
فى أسوأ الاحتمالات , إذا لم تعد يوما أبدا , ربما-فقط ان حدث ذلك- لن اشعر بالأسى الشديد..لن أصرخ..لن القى بنفسى فى أحضان هذا البحر الذى شهد انتظارى الطويل لك..لن اترك للرمال المجال لابتلاعى..
فقط ربما سأبكى قليلا..اذا استطعت البكاء..فعيناى بدأتا فى التحجر الفعلى فى المقلتين من فرط التحديق فى ذلك الخط الرفيع الذى يربط البحر بالسماء..ربما سأحاول الوصول الى ذلك الخط على رغم من صعوبة بلوغه وحدى بدونك..و لكنى إن فعلت فسأكون أول فتاة تصل إلى حافة العالم..إلى المنتهى .