الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

جملة اعتراضية

لم تكن تتوقع أنها ستواجه مشاكل لا يستطيع النسكافيه الخالى من اللبن حلها..أو على الأقل يساعدها على التفكير.
لم تعد الشوكولا و الورق الخريفى الأصفر المحمر يسعدها و لا باتت أيادى الأطفال حديثى الولادة تدهشها..كانت تهتم بشم الورد الملون و تذوق المربات المنزلية التى تصنعها أمها و تحرص على اظهار الاعجاب دائما بما تصنعه..فما من مرة نسيت فيها أن تكتب نوت صغير على البرطمان الزجاجى " confiture du paradis " لكنها الآن لا تهتم .
بقى شئ واحد فقط من سلوكها المعتاد القديم..تلك الأسئلة الغبية التى لا يجيبها أحد عليها و لا يكترث أحد بأن يبحث معها عن اجابات منطقية أو غير منطقية و لا حتى يحاول أحد منعها من السؤال .. أسئلة من نوعية لماذا الماء مبلل مثلا..فى الواقع اهتم شخص واحد بالاجابة عن هذا السؤال و بعدها لم يعد يجيب أو يسأل.أو يظهر ,  لكنها لا تخشى أن تقسم أنها ما زالت تسمع صوته يناديها و انها حين تفرك يديها بقوة معا تشم رائحته النفاذة التى تبعث على القشعريرة .
أخذت الأنوار مع الوقت تبدو أوضح مما تحتمل عيناها فأصبحت تخاف الرؤية و قررت أن تغمض عينيها تماما حتى لا تتأذى..حاليا هى لا ترى شيئا بالفعل..كل شئ متشابه  بطريقة مزعجة .
فى المساء لم تعد تحرص على شرب القهوة مع أبيها..ليس فقط لأنه لم يعد موجودا و لكنها فقط أصبحت تعانى من بعض مشاكل النوم الذى لم تظن أبدا أنه قد يشكل لها أى مشكلة .
أصبحت تغنى بصوت عالى و ترقص فى المنزل و تأكل كثيرا و لا تدرى لذلك سببا واضحا..تقول خالتى الصغيرة ان المبالغة فى تناول الطعام ما هى الا اعراض اكتئاب و لكنها تحب الطعام فلم الفزلكة اذن ؟!
ازدادت وزنا..كان يضايقها هذا كثيرا لكنه مع الوقت أصبح حجة غير مقنعة لعدم ذهابها لحفلات الخطوبة و الأفراح التى لا تنتهى..لن تذهب بدونه بكل الأحوال..كان من المفترض أن يكونا هما أصحاب الفرح الأول و بمنطقها بما انه لم يكن هناك فرح اول اذن فلا معنى لوجود فرح ثانى .
فقط السقف..ذلك الفراغ الغبى الذى يتسع لمعظم الهراء الذى يملأها..تشكو اليه..تبكى له..تغنى له..تبتسم له ..و أحيانا تقذفه بغيظ بأى شئ قريب فينزل على رأسها فتتخيل السقف ماداً لسانه فى شماتة لا تحتملها فتخرج سيجارة و تدخنها...لو علمت أمها بأمر السجائر للطمتها..ربما لذلك أصبحت تتناسى عمداً رش معطر الجو .
قررت أن تبعث برسالة قصيرة لمحمد..الشخص الوحيد الذى لا تشعر انه ينتمى اليهم كأرضيين..ستخبره أنها تريد فستانا مثل ذلك الذى لبسته فاتن حمامة على البحر فى فيلم لا أنام..هذا الأبيض الممتلئ بخطوط و نقاط حمراء..سيحرص على أن يتحدث اليها و لن ترد على الهاتف لأنها تشعر أنها لا تستطيع ان تضحك الآن .
تقرر قرارا أصعب من ناحية التنفيذ..النوم .
اتخذت وضعا مريحا فى سريرها المريح ..تركت المصباح الصغير مضاء حيث أن الظلمة لم تعد تبعث على السكينة هذه الأيام فما هى الا محفز قوى لافراز سيل من الأفكار السخيفة.. و الآن أصبح كل شئ معد لسيل من البكاء الخافت الذى يساعدها على تخطى فكرة حياتها التى أصبحت تمثل لها المعنى الحقيقى لتلك الكلمة التى لم تفهمها أبدا من قبل " اللاشئ "..تقر داخليا ان وجودها ما هو الا جملة اعتراضية فى زحام من الجمل المهملة داخل كتاب محبوك القصة ..و تنام .