الخميس، 9 يوليو 2020

النافورة

وقف الرجل ثابتاً لحظات وقد أراح كفيه على كتفي صغيره ثم تسللت أصابعه تحت إبطه، رفعه إلى أعلى في تصميم وقد أخذ الصغير ينظر حوله في بلاهة بينما أخذت قدماه في الارتفاع حتى أصبحت في مستوى أنف أبيه، ثم في حركة مباغتة ألقى الأب بالطفل وراء ظهره ليرتطم بمياه النافورة الكبيرة في هدوء لا يقطعه سوى بعض البقللة التي سرعان ما سكنت وكأنما ألقى الرجل لتوه سنتاً أو قرشاً معدنياً بيده اليمنى من فوق كتفه الأيسر لتحقق له جنيات النافورة أحلامه فتحبه بنت الجيران أو تختفي زوجته فجأة من الوجود أو يجد بطاقة من بنك الحظ تقول "مبروك ربحت مائة مليون دولار بمناسبة عيد ميلادك".
لم يلتفت الأب ليتفقد ما حل بولده في النافورة بل وضع يديه في جيبي بنطاله ومشى.
في فجر اليوم التالي، وقفت السيدة تربت على ظهر رضيعها النائم وهي تحدق في مياه النافورة وكأنما طفى على سطحها انعكاس نرسيسوس. أخذت تبعد ابنها  تدريجيًا من على كتفها وقد بدأ يقلق ويتفوه بما يتفوه به حديثي الولادة من أصوات ثم بحذر، وضعته على  سطح الماء، طفى لوهلة ثم بدأت مياه النافورة تغطي وجهه شيئاً فشيئاً في هدوء حتى اختفى.
توافد بعد هاتين العديد من الحوادث المماثلة حيث يأتي رجال ونساء بأطفال مختلفي الأعمار والأشكال يلقون بهم في تلك النافورة الضخمة ثم يمضون وكأنما قد وقع قرش معدني من جيبهم الخلفي فلا تذكر إحداهن لجارتها ما حدث ولا يسأل أحدهم زميله في العمل عما يعتقد، تسير الحياة كما سارت دائماً، ربما فقط أكثر صمتاً فلا تسمع ضحكة بعيدة ولا نحيب.