الأربعاء، 11 يوليو 2012

بلا قافية

لم تتعجب اطلاقاً من اتصاله فى هذا الوقت المبكر , بل كانت تنتظره , تنتظره طويلاً.
أجابت على هاتفها الجوال محاولة ألا تبدو نبرة صوتها سعيدة أكثر مما ينبغى و لكنها وجدت أنها أصبحت مملة و ذات وقع كئيب , فعادت الى نبرتها الراقصة المعتادة .
أجابت على هاتفها الجوال , هى التى تحرص دائما على أن يبقى هاتفها فى وضع "offline " حتى لا تضطر الى الرد و ان اضطرت الى ابقاء الاتصال متاحا فهى تلجأ الى وضعية " silent " حفاظا على مبادأها.
بحيوية و نشاط غير معهودين ,تنهض من سريرها و كأنما هو فراش من نمل و تتجه بنفس مفتوحة للحياة الى دولاب الملابس..شئ من الأزرق و شئ من الأبيض و حذائها الرياضى..تتناسى أمر الافطار برغم شهيتها المفتوحة دائما - حزينة كانت او سعيدة - و تسرع نحو الشارع .
لم تكتشف جمال ان تكون من سكان وسط البلد الا مؤخرا , من 8 شهور تحديدا..تتذكر يوم رأته أول مرة , و يوم التقط لها صورة و هى غير منتبهة..تستعيد كلماته فى ذلك المساء عندما قال لها أنها جميلة كالقصيدة و تتمتم " أنت لى بأهمية القافية للقصيدة " و تبتسم.
سائرة بخطواتها الواسعة و نظراتها المتأملة  للوجوه و السيارات و الفيترينات المحيطة , وصلت الى ذلك المقهى المتفق عليه , مكان قديم طراز يليق به تماما.
وجدته هناك فى انتظارها..توقفت و ابتسمت..ابتسمت جدا..ثم استأنفت السير ناحية الطاولة .
يأتى النادل..نفس النادل الذى عرفهما باسمه و مع ذلك لا تذكره..طلبا فنجالين من القهوة المضبوطة .
" -جبتى المعلوم ؟ "
تخرج من حقيبتها الواسعة علبة صغيرة حمراء أنيقة و بين شفتيها ابتسامة بالغت فى رسمها..يلتقط العلبة فى عناية و يفتحهها , يتفرج على الخاتم دون أن يخرجه من مكانه حرصا , و يصدر صافرة اعجاب فتشعر بالانتصار .
يبتسم لها شاكرا و فى عينيه امتنان شديد , فتتكلف الذوق و تقول مجاملة " المهم تعجبها " فيرد المجاملة بأخرى " طالما عجبتك هتعجبها " .
أعجبتها هذه العبارة كثيرا..
ساد بعض الصمت مصاحبا للنادل المذكور آنفا حاملا قهوتهما المضبوطة .
لم تجد ما تقول و لم يجد ما يقول..
برغم كل الترتيب و التحضير الذى أرهقت به نفسها الليلة الماضية و المواضيع التى كانت تنتوى التحدث معه فيها..طار الكلام و فرغ كما هو حال زجاجة مزيل طلاء الأظافر المفتوحة .
هرب من ذلك الصمت بدس أنفه فا فنجاله حتى انتهى منه و أخذ يفكر فى مظهره اذا تركها الآن و مضى فأخذ يقول لنفسه " لا..لا يصح , لقد طلبت منها ان تشترى لحبيبتى أنا هدية تليق بها فلا يجوز أبدا أن ارحل بهذه السرعة و كأننى استغلها و لا أحترم ما ضحت به من وقت من أجلى "
فى حين كانت تفكر هى فى ردة فعل فتاته حين تتلقى هديتها و نظرة الحب الطفولية المميزة التى ستتقافز فى عينيه و هو يرى ذلك الدلال الأنثوى فى عينيها .
تفكر فيما يمكن قوله الآن..أتحكى له كيف تذكرها (صباح و مسا ) به و أنها اشترت اطارا لطيفا للصورة التى التقطها لها و اطارا اخر لتضع به صورته ؟
هل تحكى له أنها تقرأ رسائله من نوعية " ان شاء الله " , " يا بنتى ردى على أم الموبايل بقى " , " لازم تشوفى الفيلم... " مئات المرات و تبتسم مطولا ؟ هل تخبره بأنها امتنعت عن أكل الموز لأنه يتسبب له بالحساسية دعما له.؟ هل..؟ هل...؟ هل...؟
-" سرحتى فى ايه ؟ كدة هنتأخر..انا لازم اقوم معلش "
تتيقظ من غفلتها و تتصنع الابتسام " ok :)"
-كان نفسى اقعد معاكى أكتر بجد..انتى قايمة و لا هتقعدى شوية ؟
- انا جعانة
-يبقى بالهنا و الشفا مقدما .
- :)
-سلام .
أأكلت كثيرا ,ذهبت الى المرحاض , غسلت يديها و سكبت ما لم تستطع كبته من الدموع , غسلت وجهها بالماء البارد , انتظرت حتى تختفى حمرة عينيها و أنفها و خرجت , دفعت ما عليها من نقود , شكرت النادل و انصرفت .