السبت، 11 أبريل 2020

الحزب النازي المصري

بدأ الأمر كله عندما أتى جوبلز لزيارته منذ عشرة أيام. لم يستضف هتلر و إيفا أحدا سواه لسنين, يأتي دائما وبيده 6 pack من البيرة وربما فيلما لوودي آلان الذي يسخر من نفسه ومن عشيرته اليهود ليضحك هتلر شاتما العالم أجمع. ذلك اليوم, فتحت إيفا الباب لتجد جوبلز ممسكا بجريدة بدلا من البيرة وعلى وجهه أمارات الجد.
أغلق هتلر وجوبلزالغرفة عليهما وقد توسطت الجريدة المكتب, مفتوحة على صفحة بها عنوان "الحزب النازي المصري". لوهلة شعر هتلر برغبة في الضحك لكنه سرعان ما تأثر تأثرا شديدا من رد الفعل المصري لقيمه النازية التي بددها الألمان الجدد الأغبياء, هؤلاء الذين يجدون في اسمه عارا ويحاولون محو تاريخه. استمر اجتماع هتلر وصديقه ما لا يقل عن 6 ساعات ولم يخرج جوبلز من غرفة المكتب إلا بعد أن اتفقا على خطة جديدة.

وصل هتلر صباح يوم الخميس الثلاثين من شهر أبريل إلى ميدان كبير به مسلة طويلة, اتبع مترجلا تعليمات الGPS ليجد نفسه أمام مبنى كبير بألف شباك ولا يقل عن 14 دورا. طبقا لتعليمات جوبلز, سيجد قائد الحزب النازي المصري السيد علي عبده  في هذا المكان والحقيقة أن المبنى لا بأس به كمقر للحزب, لطالما كان واثقا أن النازية ستستمر وهذا دليل على أنه كان محقا وما زال على حق.
دخل هتلر والجريدة في يده, يمشط شعر شنبه بإبهامه ثم يمرر كف يده على شعره اللامع وهو ينظر حوله في زهو..هل يعقل أن لمصر هذه القاعدة المهولة من النازيين؟ كل هؤلاء البشر مختلفي الأشكال والأحجام يؤمنون بما دعا إليه لسنوات؟ 
أخذ يبتسم للمارة الذين يحدقون به ويحييهم بيده وهم يضحكون في وجهه, يالهم من تابعين أوفياء.
أخذ يدور باحثا عن مكتب السيد علي عبده يمينا ويسارا لكنه لم يعد مسيطرا على حركته, أصبحت موجات البشر تحدفه يمينا ويسارا وترفعه من على الأرض وتقذف به بعيدا في ديناميكية غريبة لم يستطع فهمها.
قرر أن يسأل عن مكتب القائد الأعلى ليقابل بضحكات لا معنى لها وأسئلة وجودية عن ما يريد وقالك فين وأشياء أخرى لم يستطع إستيعابها تماما. نصحه أحدهم أن يقف في الطابور في صمت ويجهز أوراقه, فضحك في تواضع مصطنع أنه لا يحتاج لذلك كله, فقط أبلغوا السيد عبده أن هتلر هنا. نظر إليه الرجل ضاحكا في قلق "هتلر آه..لا اطلع الدور الرابع بقى".
ربما يظن المرء أن الطلوع للدور الرابع أمرا عاديا, أو هكذا ظن هتلر, لكن لم يكن ذلك بالأمر الهين, فأثناء صعوده السلالم داس على قدمه ما لا يقل عن أربعة مواطنين أشقياء بينما ركله أثنان آخران وقلد مشيته شخصا وهو يأمره بالإسراع لأن مصر كلها خلفه. نظر هتلر خلفه ولم يستطع تبين إن كان ذلك صحيحا, لكن يبدو كذلك فمصر كلها هنا, وقبل أن يمنحه الكون فرصة لينظر أمامه من جديد انكفأ على وجهه لتصطدم جبهته بدرجة السلم ويسيل منها خيطا رفيعا من الدم, أعطاه شابا منديلا غارقا بالعرق كان يمسكه بيده ليسمح رأسه به وقد بدأ هتلر يشعر بالاختناق. أخذ يترنح ممسكا بالدرابزين ليقع في حجر بائع أقلام بفترش الطرقة, يعرض عليه الرجل أقلاما زرقاء وهو يقسم له أنه سيحتاجها وسيندم إن لم يشتر, فسأله هتلر وهو يمسك برأسه إن كان يعرف مكان علي عبده فيضحك الرجل كاشفا عن سنتين وحيدتين في فمه وصدرا يعج بالتراب والمرض "مش تقول كدة من الصبح؟" ثم بصوت عال وكأنه في غيط أبيه ينادي على علي ليأتي شاب شديد النحافة, يبدو على وجهه آثار سوء التغذية والحشيش, يضع تحت ابطه صينية وهو يعد جنيهات في يده ليخبره البائع إن الباشا كان عايزه فيطلب علي من هتلر ألا يؤاخذه, سيعد الشاي لمدام عفت ويلم طلبات الإفطار من الدور ويعود إليه حالا.
أخذ هتلر ينظر إلى شبشب علي عبده وهو يزحف مبتعدا وإلى العنوان الذي أعطاه إياه جوبلز وهو يفكر في أن اليوم ربما يكون من أسوأ أيام حياته بعد معركة الثغرة. قائد النازية المصرية لا يمثل سوى كل ما ترفضه القضية والانتخاب الطبيعي حتى, ومقر الحزب النازي المصري, أمله الأخير, لا يصلح إلا لأن يكون معسكرا لاعتقال من فيه وحرقهم أحياء.
ترك هتلر نفسه للتيار البشري كريه الرائحة ليرميه في كل الاتجاهات دون مقاومة حتى لفظه خارج المبنى.

رفض هتلر الرد على مكالمات جوبلز وقضى بقية يومه في القبو ينظف مسدسه إلى أن تركت إيفا المكرونة على النار مسروعة وتوجهت إليه بعد سماع الصوت المدوي لتجد جثته على الأرض.