الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

The Last Sunday

لا أذكر بالتحديد لكني كنت في المرحلة الإعدادية على الأغلب. أعود من المدرسة لأجلس بالساعات منهمكة في تحميل أغاني جديدة والاستماع إلى المجموعة التي تم تحميلها في الليلة السابقة وأفاجىء نفسي باختيارات عشوائية تصيب تارة وتصدع رأسي تارة. أذكر أنني وقتها تعرفت على Queen و Scorpions وMireille Mathieu وPink Floyd وأندلسيات فيروز وأنني لم أحب David Bowie -آنذاك- ولذللك أنا آسفة.
وفي يوم, قد يكون سبتا رائقا -حيث كان الأحد أجازة وكنت أسهر كما أريد في جو من النظرات المشتعلة والسب المكتوم في حنجرة ماما- وقعت تحت يديّ أغنية لو تذكرتها لما كتبت هذا الذي أكتبه, أغنية لباند لا أعرفه لها كلمات لا أحفظها ولكني أستطيع أن أدندن لك بدقة الجزء المفضل لي والذي كنت أعيد وأزيد فيه حتى يصيبنا جميعا الانهيار العصبي.
قضيت أسبات أخرى أقل بهجة في بحث مستميت عن تلك الأغنية بعد أن مات جهاز الكمبيوتر الضخم آخذا معه ما تيسر وما تعسر من أغاني, ضاما إلى قبره تلك التي لم أجدها أبدا قط. إلى أن بعد أكثر من خمس سنوات, جاء يوم -ربما يكون سبتا كذلك- قررت فيه أن أشاهد "Blanc", أحد أفلام ثلاثية كيشلوفسكي لأجد أن الشخصية الرئيسية تفترش أرض محطة المترو وتعزف على الهارمونيكا لحن الجزء الذي أحبه في الأغنية إياها, فأشعر ذلك الشعور الذي ينتابني حين أرتدي بنطلونا مضبوطا من الوسط والفخذين في نفس الوقت وهو إحساس لو تعلمون غير متكرر حد البكاء.
تعلقت بتلك القشة وأخذت أبحث وأستشير جوجل والمنتديات ومواقع الأفلام في أمل لأجد أن ذلك اللحن المستخدم هو جزء من تانجو بولندي حزين من الثلاثينات اسمه "Ostatnia niedziela" أو "The Last Sunday" بالإنجليزية, ويُحكى أنه عُرف أيضا باسم "Suicide Tango" وقد فهمت سبب ذلك عندما ترجمت كلمات الأغنية الأصلية بالطبع والتي تقص قصة فتاة تترك حبيبها من أجل آخر أكثر ثراء فيتفهم المسكين ذلك لكنه يرجوها ألا تضيع الوقت في الكلام الذي لا فائدة منه وأن تقضي معه اليوم, يوم الأحد, آخر أحد قبل الرحيل قائلا مثلا:


ليس هذا هو الوقت المناسب للبحث عن أعذار
فكل شيء قد انتهى, هذه هي الحقيقة
اليوم, رجل آخر, أكثر ثراء مني, أفضل مني
قد سلبني سعادتي وأنتِ

سأطلب منك طلبا واحدا أخيرا
امنحيني هذا الأحد, الأحد الأخير
وبعدها فليتداعى العالم من حولي

هذا هو الأحد الأخير
اليوم نفترق, للأبد
هذا هو الأحد الأخير
فانظري إليّ
بحب, للمرة الأخيرة
فأنتِ, سيكون لديك العديد من الآحاد في انتظارك
أما أنا, فمن يعرف ما سيحدث لي
فهذا هو الأحد الأخير



حاولت مرة أخرى البحث عن الأغنية التي اقتبست جزءا من التانجو البولندي عن طريق تطبيقات الأغاني المختلفة, المجانية منها والمدفوعة,الهمهمة والدندنة في مواقع مخصصة لذلك, تفتيش أي كارت ميموري أجده في مزبلة درج المكتب, سؤال بولنديي الجنسية ممن صادفت أثناء السفر ولكن بلا طائل.
قد يبدو هذا شيئا تافها أو بائسا أو تافه حد البؤس حتى, لكني لسبب ما أعتقد أنني يوما ما سأجد تلك الأغنية وربما أجدها الآن بعد مرور كل هذا الوقت أغنية ساذجة لا تستحق العناء مثل أي شيء تنهك نفسك للحصول عليه ثم تكتشف أنك لم تعد ترغب فيه ولكنه سيكون انتصارا ما أضيفه على قائمة قصيرة بها "حاجات أردتها و-ياللدهشة- حصلت عليها".