الأحد، 2 أكتوبر 2011

تلك الفتاة

لم تعد تعنيها النظرات المتطلعة فى استغراب إلى تلك الفتاة التى لا تحسن صنع ضفيرة لنفسها فيتدلى ذيل حصانها غير المشدود من الشباك و هى تبتسم ملئ فمها , كاشفة عن أسنان تعرف انها ليست الاجمل- و لكنها تؤمن تماما ان الابتسامة مهما بدت بلهاء فهى جميلة - ملاعبةً طفل صغير ذا أقدام حافية لا تعرف سوى ان اسمه على و انه ابن بواب العمارة المقابلة لعمارتها .
تجرى الى الثلاجة فى حماس لتجلب له قطعة من الشوكولا التى تأكلها فى شراهة و التى تعتبرها سبب أساسى فى ملئ جسدها البض و الذى لا يضايقها إطلاقاً..يأخذها مبتسماً فتشعر بالنجاح و الراحة و تذهب لتبدأ يومها..يومها الذى يعتمد بشكل أساسى على تجاهل نظرات الكثيرين..نظرات السيدات اللاتى يتعجبن من سيرها مرفوعة الرأس ناظرة إلى كل ما حولها من محلات زهور و سلات قمامة و رجال عجائز يقرأون فى الجرائد و امرأة شقراء أجنبية اعتادت المشى صباحا فى شوارع وسط البلد..نظرات رجال لم يعتادوا رؤية احداهن تركب العجلة و تقف فجأة لتلعب مع فتاة صغيرة قابلتها فى الطريق.
تتعمد أن تقترب من أبواب المقاهى الصغيرة حيث أنها تحب رائحة البن و القهوة على الرغم من عدم شربها لهذه المشروبات..مشروبات " الكبار " او هكذا تعتقد .
تضع سماعاتها فى أذنيها لتقول لفيروز " صباح الخير " لكن سرعان ما تفرغ البطارية..دائما ما تنسى أن الأجهزة تحتاج إلى شحن كهربائى و أنه لا يمكن أن تعطيها بعض الشوكولا حتى تعمل , فتصالح نفسها غير عابئة و تبدأ فى تكملة الأغنية بصوت خافت و هى تطلع الى المحلات المصفوفة فى طريقها .
تصل الى كليتها قبل الميعاد على غير العادة فتجلس قليلا مع " أم سعيد " و تكتشف أن لها أربعة أبناء و بنت غير سعيد و على الرغم من ذلك لا يظهر عليها علامات التقدم فى السن و لم تترهل بطنها بعد هذه الولادات الكثيرة المتلاحقة..الضئيلات جسماً هن الكثيرات حظاً إذن.
يبدأ اليوم و ينتهى فى ملل تتخلله بعض الأحداث اللطيفة مثل رؤية آدم زميلها الذى ربما لا يعلم بوجودها و لكنه أطول من ألا تلاحظه و سندويتش الكبدة الاسكندرانى الذى أكلته مع صديقتها بعد المحاضرة .
فى طريق العودة تتوقف مرة لشرب عصير مانجة و مرة لتدخل محل فارغة اليد فتخرج حاملة كيس.
فى بداية الشارع تلمح ابن البواب فتخرج من جيبها قطعة شوكولا صغيرة و تقدمها له فيبتسم لها ابتسامته المحببة إلى قلبها , تنزل على ركبتيها و هى تخرج من الكيس حذاء صغير فينظر على اليه فى رهبة ثم يتجرأ و يمسكه و يشكرهها فى فرح فتقدم له خدها فيقبلها قبلة خاطفة و يجرى ليجلس على سلم العمارة ليرتدى حذاءه الجديد.