الأحد، 9 يناير 2011

أم صلاح

كم انت جميل يا صلاح ! أنت تبهرنى بالفعل !
كنت ابن الثلاث شهور و كنت كثير الابتسام و الضحك..كنت أخف ظلا حتى من عمك مصطفى زوج خالتك المشهور بنكاته و خفة دمه و روحه المرحة برغم كثرة مصائبه و حالات الوفاة المستمرة فى عائلته .
و عندما اصبحت فى الخامسة , كنت محترفا فى تقليد الممثلين و الاعلانات و المشاهد السينمائية , و قد اهتم والدك بذلك كثيرا  و أخذ يصطحبك معه الى اصدقائه و يريك أفلاما و مشاهد و يقص عليك قصص و شعر. لم يخطئ عبده فى تسميتك صلاح , اختاره لك تيمنا بصلاح جاهين و خاصة عندما ولدت مبتسما, ممتلئ الجسم , طفولى الوجه و الحركة .
و ها انت فى الثانية عشرة من عمرك يا صغيرى , تكتب قصصا و شعرا و تقرأ و تطلع و لم تتغير أبدا صفاتك المرحة الجميلة .
كنت و لازلت كأى أم أحب ابنى و اخاف عليه...حسادك كثيرون يا صلاح و ليتك تدرك ذلك يا عبده...لا يحضر صمتا الا و طردته على الفور بحديثك عن مواهب ابنك المتعددة , اعلم انك تكره ذللك يا بنى , و لكنى أم , و أخشى ان يصيبك مكروه..أنهك الى عدم اطلاق النكات عندما نكون عند عمتك نيرة , و أحذرك من الحديث مع خالتى عزة التى لا احفاد لها , فابنتها الوحيدة لم تنجب و كان ذلك سببا فى طلاقها .
و مع ذلك لا تهتم , و تكمل مزاحك و شعرك و قصصك , غير مبالى بالعواقب , ز يشجعك أبوك .
أتيتنى ذات يوم بورق و طلبت منى الاطلاع عليه , و كم كانت دهشتى..انت تكتب عن الحب يا صلاح !..كنت سعيدة بكتابتك تلك , و أسلوبك الشيق الذى أعجبنى و أعجب الجميع...و لكننى خفت .
انت تكبر سريعا -ما شاء الله - و لا تعطينى فرصة لادراك ذلك و استيعابه كما ينبغى..هلى تحب فعلا و تنقل لى معاناتك على الورق؟..ليتك تشرح لى و تريح قلبى...لا تخجل من امك يا ولد ّ احكى لى عن حبك..هل تكون ابنة الحاج عصام جارنا ؟ أم تلك الفتاة التى تسكن مع جدها و جدتها فى الطابق الخامس ؟..و لكن لا , هذه الفتاة قبيحة جدا و انا اعرف ان ذوقك فى النساء جميلا كما هو ذوق ابيك .
كنت أعرف انك برغك ثرثرتك المعتادة مع من تعرف و من لا تعرف , انك لن تبوح بشئ , حتى عندما دفعت ابيك الى غرفتك ليسألك , و طلبت منه ان يخبرنى بكل حرف تفوهت به .
خفت اكثر عندما وجدتك تتحدث الى عمك مصطفى مواسيا , و انت تقول له ان الموت رحمة من الله و حق على الجميع و انك لا تخشى الموت ...لم نستطع , لا انا و لا زوج اختى , ان نفسر سبب كلامك..مالك تتكلم و كأنك تناجى الموت نفسه يا صلاح؟!..ما كان يجدر بى ان اقول ذلك..انا اسفة يا حبيبى , ربنا يعطيك عمرا طويلا سعيدا يا بنى .
كنت تزداد غموضا كلما كبرت , و لم اعد انا , المرأة التى اكتفت بتعليمها الثانوى , استطيع فهم ما يدور فى خلدك .
كنت كلما شكوت لأبيك حالك , نبهنى الى اختلافك..انت مختلف..انت افضل..
كان ينهرنى عندما الح فى الشكوى و اتمادى تارة , و يربت على كتفى قائلا " لا تقلقى على صلاح يا ام صلاح " تارة .
الشئ الوحيد الذى لم يتغير فيك يا صلاح , هو روحك الفكاهية , حتى بعد وفاة عمك مصطفى , و حزن العائلة كلها على فقده , و حالة خالتك المسكينة التى أقامت معنا بالبيت , و يعد هذا الشئ الوحيد الذى روى فى قلبى الاطمئنان الذابل و انعشه .
و ها هى احلام ـاتى لتحص ذلك الاطمئنان لتضعه فى قلبك و تجعلك تأتى الى فى ذلك اليوم فى هدوء غير معتاد , انك تحب و انك تريد الزواج..فلا اتمالك نفسى و أجلس ابكى فرحا و انقباضا و خوفا و فرحا .
و ها نحن اليوم بطوله نزغرد , نعلق الزينات , نستقبل التهانى من كل حدب و صوب , فرحين لفرحك يا عزيزى .
قضينا عمرا جميلا معا يا صلاح , و ها أنا اسلمك بيدى لأحلام لترعاك , و انا اعلم انها ابنة حلال , ذات نسب طيب , و ستكون أما صالحة لأولادك ان شاء الله .
أوصلناك الى المنزل , انت و زوجتك , منذ قليل و شريط حياتنا معا يعيد نفسه فى الذاكرة...و لكن لم الحزن؟..فما زال للشريط بقية .