الجمعة، 8 مايو 2020

هل تمنيت لأحدهم الموت اليوم؟

بدأ الأمر في تانية حضانة عندما أمسكتني مدام ولاء من أذني حتى ارتفعت قدماي عن الأرض شبرا لاعتقادها الظالم أن ياسمين ماجد تبكي إثر لكمة سددتها أنا إليهاز حاولت شرح حقيقة الموقف وأن وجودي في مسرح الجريمة هو من باب المصادفة فلم تسمع. أذكر أن ذلك اليوم, بعد الغذاء وقبل أن أشرب النسكويك, كنت بالفعل قد امضيت خمس دقائق كاملة على الكنبة أفكر في احتمالية أن أدخل المدرسة صباح اليوم التالي لأجد وجوه الجميع واجمة وقد دق الجرس المشئوم, فألتفت إلى إحدى الزميلات على يميني وأسألها فتهمس في أذني "مدام ولاء ماتت".
فعلت الشيء نفسه في رابعة ابتدائي عندما بدأت مدام نادية بمناداتي "ميمونة" حيث أن "مي" في اللغة العربية تعني قردا صغيرا أو أنثى القرد أو أيا كان في عالم الحيوان (مع الاعتذار للقرد وعالم الحيوان, لا أجد الأمر كله مهينا إلا لأنها تعني أن يكون مهينا, أحبكم). لم أفكر آنذاك إلا في حتمية أن تكون مدام نادية امرأة تعيسة تكره نفسها ويكرهها الآخرون وتصورتها وهي تصعد على منصة من خشب كتلك التي كان  يصعد عليها المحكوم عليهم بالإعدام علنا في الساحات في وقت سابق وأذكر أنها كانت تبكي في أسف وتعاسة.
ثم جاء في وقت لاحق, كنت في تانية ثانوي وقتها, سواق التاكسي الأربعيني المتحرش, بلا أي ملامح مميزة لكنه ثرثار مزعج, من النوع الذي لا يتحمل الصمت أكثر من ثلاث دقائق. بدأ حديثه عن زوجته الجميلة القمر والتي عادت من جديد للدراسة بعد انقطاع دام عدة سنوات, فما كان بي إلا أن قلت عبارات من نوع " أوه هايل" و"ياه برافو", ثم انحرف مسار القصة في اتجاه آخر يأتي فيه جارهم الشاب الأعزب مفتول العضلات لمساعدتها في دروسها الكثيرة وحيث أن زوجته لا تستطيع التركيز إلا في غرفة نومها على سريرها فقد كان هذا مكان الدرس الأسبوعي. هنا أذكر جيدا أني أخذت أتأمل الزحام من حولنا وأحسب الوقت المتبقي حتى تنتهي هذه الرحلة اللعينة, كان أمامي حوالي خمسة عشرة دقيقة حتى أصل لمكان درس الكيمياء في ترويمف وقد تخيلت نفسي وكرامتي تبعزق يمينا ويسارا عندما أصل متأخرة لكني وضعت المبلغ المطلوب على الكنبة وفتحت الباب ونزلت عندما خرجت الأمور عن السيطرة وبدأ في الفصل الثاني من حكايته وهو تفاصيل ونوع الدرس بين زوجته والجار الشاب. ليس لدي أدنى فكرة حتى الآن ما كان هذا ولماذا وأي متعة قد حصل عليها بقصته وماذا توقع أن يسمع كرد فعل راكب غلبان ذاهبا لدرس الكيمياء. لن نعرف الإجابة الأكيدة ولكن ما هو أكيد أني أمضيت ما يزيد عن الساعتين أتخيله يجري جريا كاريكاتيري وكرشه يتأرجح أمامه هربا من أحد خزنة أبواب جهنم, يصرخ ويتوسل له أن يتركه لكن الحارس يمسك بكاحله فيرتطم رأس السواق بالأرض ثم يطيح به من فوق سور ضخم وتمضي بضع ثوان ثم أسمع التشششش فور ابتلاعه في الجحيم.
مرت سنوات إلى أن ضحك أحد أساتذتي في الجامعة بازدراء وهو يلقي نظرة على بحث قمت به ثم ألقى به في باسكت الزبالة. أعدت كتابة البحث وأسلمته إياه من جديد, نظر إليه وهو غالبا لا يذكر من فعلته شيئا فلا أظن أنها كانت بسبب ثأر شخصي بيننا, ثم نظر إليّ وابتسم وقد قبل الأوراق. تلك المرة عقلي الباطن قام أوتوماتيكيا بالمهمة فقد رأيت فيما يرى النائم, الأستاذ المذكور مربوطا في شجرة عملاقة ذات أشواك ضخمة وقد أنهلت أنا عليه رميا بالملفات المكتبية الضخمة.
منذ ذلك الوقت وحتى شهور قريبة, لم يحدث أن نشط عقلي الواعي أو الباطن في مجال البحث عن انتقام مناسب, أصبح الأمر مربوطا ببعض البرطمة أو بشتيمة ألقيها هنا أو هناك ثم يتلاشى الموقف برمته إلى صندوق في مؤخرة رأسي أضع فيه ما لا يثير اهتمامي, إلى أن استعدت قدرتي على الانتقام الافتراضي, فحاليا, أتأكد قبل أن آخذ الدواء وأنام أن أتخيل أحدهم وقد شق صدره فسقط منه قلبه على أرض شارع واسع مليء بالمشاة والسيارات, ينبطح أرضا متأوها وهو يمد ذراعيه يتحسس الأسفلت بحثا عن القلب الذي وقع, يجده قريبا فيسارع في الزحف متألما إلى أن يكاد يلمسه بيده فيطيح به أحد المارة غير مكترثا فيتدألج مبتعدا, فيبدأ الزحف للاتجاه المعاكس لتتكرر نفس المعاناة كلما اقترب من قلبه وهكذا في عقاب سيزيفي حتى يشفق عليه أحد آلهة الإغريق ويرد له قلبه أو يقتله.