السبت، 12 أكتوبر 2013

بداية القصيدة

كان الوداع سريعا..لم أدرك ان كان ذلك مناسبا لغياب سيدوم شهر و نصف.
احتضنت والدى و أختى وحبست دموعى بقدرة لم أتوقعها و دخلت المطار وحدى حاملة حقيبة على ظهرى, على ذراعىّ حقيبتا اللابتوب و الكاميرا, جارة من خلفى أكبر حقيبة تم تصميمها على الاطلاق فى تاريخ حقائب السفر.
جرت الأمور فى المطار سريعا..تلقيت مكالمات رقيقة موّدعة و مكالمة مطولة اطلقت فيها العنان لاحاسيسى المضطربة المتضاربة تجاه هذه الرحلة ثم انطلقت للصالة و منها الى الطائرة.
فى شبابى, هذه أول تجاربى فى الطيران..تجلس بجانبى فتاة خليجية كثيرة الكلام..فكرت كثيرا فى ادعاء المرض و الأزمات القلبية أو أن أسير ببساطة الى الباب و ارجع.
انتهى الأمر..انطلقنا و لم يعد هناك مجال للرجوع و أصبح علىّ التأقلم..تذكرت ما قرأت عن دعوة المسافر فدعوت.استمعت الى فيروز و الى حديث الفتاة بجوارى بلا تركيز.
مرت الساعات الأربعة بسلاسة لا بأس بها و وصلت الى أبو ظبى حيث علىّ قضاء ساعتين.
ظللت أبحث عن "صالة 41"..مشيت وراء العلامات..فوق تحت يمين شمال..لم أصل! وجدت أحد رجال الأمن, رجلا ذا ملامح آسيوية و شعر ناعم, سألته محاولة الابتسام عن مكان الصالة مخبرة اياه كل المعلومات التى قد يحتاج معرفتها..ابستم ببلاهة و هو يأخذ التذكرة من يدي و قال مشيرا الى الأعلى :"Downstairs ma'am" !
أدركت أن علىّ الاعتماد على الله و نفسى فقط فى البحث عن القاعة اللعينة. وجدتها بعد ساعة و نصف من البحث و الركض و اللف و الدوران..جلست و أنا أكره أبو ظبى و الهند و العالم.
تفقدت هاتفى وجدت العديد من الرسائل من شركة المحمول التى ترحب بى فى دولة الامارات العربية ملحقة بأرقام خدمة العملة. فى اللحظة ذاتها اتصلت أمى:

" ها يا ميوى بقيتى فين ؟
-........
مى ؟!
-......."

لم استطع الرد و لا الكلام..بكيت كثيرا بعد سماع صوت ماما..انتهيت من البكاء و عاودت الاتصال..تحدثت الى اهلى حتى بدأ القطيع فى التحرك نحو الحافلة التى ستقلنا للطائرة فذهبت.

الجزء الثانى من رحلة وصولى..الطريق من أبو ظبى الى مومباى..كانت الرحلة هادئة و كنت جائعة فأكلت بنهم حتى ابتسم الجالس جوارى..شاهدت " العتبة الخضرا" و أنا اشرب الشوكولا الساخنة.
وصلنا الى مطار مومباى فى حوالى الثالثة فجرا..الجو شديد المطر و المطار..غريب!
اختلفت اشكال الناس و لغتهم و أصبحت وحيدة تماما..انهيت اجراءاتى فى صعوبة و ذهبت لاستلام الحقيبة فوجدتها ممزقة..محضر فاعتذار فكلام بلا طائل الا شعورى بالاختناق.

خرجت من المطار بعد عناء دام ساعة و نصف..كان الجميع قد غادر و لم أجد وجها أعرفه..تمطر بلا توقف فلا أكاد أرى.
أما زال كريم فى انتظارى ؟ تراه شعر بالملل و ذهب ؟
انظر بتركيز فأجده !
اعتذر كثيرا عن التأخير و نتبادل الأحاديث و يخبرنى عن تعلقه بمومباى , فقد جاء الى هند قبلى بأسبوع كامل و هو مقيم بمومباى..أما أنا فذاهبة الى سورات..مدينة صغيرة على بعد 5 ساعات بالقطار من مومباى.
ذهبنا الى رحلة قصيرة حول مومباى..انتابتنى صدمة من قذارة المترو و الشوارع و كمية الرجال التى تقضى حاجتها فى الطريق..
فى 10 دقائق وجدت نفسى فى مكان أوروبى الطابع..حيث الأشجار الخضراء المصفوفة و المبانى الانجليزية الطراز و الفنادق الفخيمة التى لا أجرؤ أن أمد فيها قدما و كما تغيرت المبانى و تغير الناس فرأيت النساء الجميلات بملابسهن غير التقليدية و سياراتهن الفارهة و الرجال ذوى العطور الفخمة و السجائر الغالية و الملابس الsigné .
وصلت الى محطة القطار بعد معاناة دامت ربع ساعة حاول كريم شرح "محطة القطار "
محركا قبضته المضمومة من أعلى لأسفل و هو يصفر مقلدا صوت القطار لسائق التاكسى الذى لا يعرف حرفا من الانجليزية. أوصلنى حتى مقعدى..مقعد مريح فى الدرجة الاولى من ما يسمى Sleeper Class حيث تحل الأسّرة محل الكراسى و ينام الجميع.
ودعت كريم و أنا أشكره و ان كنت لا استطيع شكره كفاية..لولا مساعدته و كفاحه مع حقائبى المهولة الحجم لما وصلت و لجلست أبكى على الرصيف فى مومباى لنهاية الرحلة.

هناك تعليق واحد: