الخميس، 3 سبتمبر 2020

حديث الريحان

 أخبرني أونكل جمال في لطف ممزوج بالقلق وأنا ألعب ذات يوم أمام المرآة أمثل مع نفسي مدعية أني سيدة أعمال فاسدة تقرر الهرب خارج البلاد أن المجانين فقط هم من يكلمون أنفسهم, وسألني أن ربما أجرب اللعب بدمى الباربي مثل أي بنت في السادسة ولكني لم أشعر بالإهانة إلا عندما سمعته يقول لبابا أني زي بنته وأنه من الأفضل تغطية هذه المرايا أحسن اللهم احفظنا.
تذكرت أونكل جمال في ازدراء في كل مرة رأيت فيها عم إبراهيم الجنايني. يقف بجلباب رمادي أو بني أحيانا, نحيفا قصيرا, يجرب اندفاع الماء من الخرطوم على يده قبل تصويبه نحو الأعشاب النامية القصيرة ويحدث الشجر بصوته الخفيض الذي يشبه كثيرا صوت قريب طيب يعيش في البلد أو شيئا مثل ذلك, قائلا أشياء قد يقولها أب يطعم صغاره. كنت أحب صوت ماء الخرطوم وهو يخبط برفق تلك الأوراق الصغيرة الخضراء وصوته, فكنت حين أسمعه من البلكونة ألبس "سابوه الطينة" الذي خصصته ماما للجنينة وأجري على الدرج لأشاهد مشهدي المفضل وأنا أشعر بأن أونكل جمال أكيد حمار.

"عم إبراهيم هما اللي بيكلموا نفسهم مجانين؟"

فيضحك قائلا أن الإنسان الطبيعي لابد أن يكون بينه وبين نفسه حديثا وإلا أصبح مجنونا, فأسأله مداعبة:

 "واللي بيكلم الزرع؟"

فيقول لي أن النبات يسمع ويتنفس ويعيش مثلنا, وأنه كلما عاملناه جيدا أزهر وأعطى ثمرا وإن أسأنا إليه غضب وتضاءل وأصبح لا فائدة منه, ثم أخذ يدي ومررها على عود قصير جدره في التربة وطلب مني أن أربت عليه وأقول له قولا طيبا فلم أجد شيئا إلا أن سألته إن كان سعيدا في حديقتنا لكنه لم يجب وكنت أعرف أنه لن يفعل فنظرت إلى عم إبراهيم في تحد  لكنه أشار إلي في ثقة لأضع كفي على أنفي.

كانت رائحة ذلك العود تذكرني كثيرا ببلكونة تيتة والتي كانت مكاني المفضل في بيتها اللطيف المليء بالروائح الطيبة, وقد أخبرتني ماما أنها الآن في مكان أوسع وأجمل وبه حدائق مهولة. لابد أنها مليئة بتلك العيدان القصيرة الجميلة التي يرويها عم إبراهيم أو ربما أبويه, فأنا أعلم أنهما ذهبا إلى حيث ذهبت جدتي.

"دة كلام الريحان, كل ما تكلميه يطلع ريحة حلوة".

منذ ذلك الحين وحتى الآن وأنا أزرع الريحان في الجنينة وأحادثه وأنا أشفق على أونكل جمال وأشباهه الذين لم يتسن لهم أن يستمعوا إلى حديث الريحان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق