الجمعة، 26 أكتوبر 2012

عم أحمد

ذلك الرجل ذو الستين عاما تقريبا , صاحب الضحكة الطفولية المفرحة برغم تلك الثغرات فى صفى أسنانه..الرجل الذى شاب شعره و تساقط أمام بوابة مدرستنا.
عم أحمد , اول وجه أراه فى المدرسة على الاطلاق , و لم يكن يوما لطيفا رغم ذلك..فأحد أولياء الأمور الذى تحلل عقلهم ذاتيا من الركنة الذين يؤمنون بسلطانهم و سلطتهم اللانهائية و قدرتهم على اهانة هاموش المجتمع , تلك الأعداد غير المؤثرة فى الحياة , هؤلاء الذين يشكلون زيادة لا أحد يرغب فيها..هذا الشخص قد صفع عم أحمد على وجهه صفعة قد تكون سببا فى ازدياد تلك الثغرات بين أسنانه و هذا لأنه رفض أن يسمح له بدخول المدرسة يسيارته الضخمة خوفا على الأطفال المنتشرين بفناء المدرسة يلعبون , مخبرا اياه انها تعليمات الادارة.
بدأت علاقتى الشخصية بعم أحمد عندما تدألجت من على السلم , فكان يسأل عنى يوميا و يأخذ حقيبتى الثقيلة ليحملها على ظهره المتعب , يوصلنى الى فصلى و يبتسم فى وهن مغادرا.
ثم ذلك اليوم الذى وقفت فيه مدام نسرين تصرخ مشيرة بانفعال بأصابع يدها الطويلة التى كادت تطيح بعينى اليمنى فظهر عم أحمد من العدم كالملائكة ليقول لها فى دهشة و هدوء بصوته الذى يشعرك دائما انه كان يبكى منذ قليل اننى "بنت كويسة اوى " و اننى بالتأكيد " نسيت كارنيه الأوتو و بكرة هاتجيبه , صح ؟ " محولا عينيه الطيبتين الى فأحرك رأسى من فوق لتحت أن نعم .
الى ان وصلت علاقتنا لقمتها فى ذلك اليوم الذى يطول الى الرابعة عصرا بسبب نشاطى الكشفى فى المدرسة , حانت الساعة الرابعة..و النصف..الخامسة..فالسادسة..ثم السابعة و لم يأتى أحد لاصطحابى بعد.
نسينى والدى !
و لم ينسانى عم أحمد..احضر لى و له بعض السندويتشات و اشترى لى البسكوت و البونبون . بكيت كثيرا فأخذ يحدثنى عن طفولته و يوم تاه من أمه فى السوق و كيف وجدته يبكى بجانب بائعة الجرجير..قص علىّ كيف تعرف على زوجته و عن صينية السمك الصيادية بالبطاطس الذى تعده حتى بدأت أضحك و أتناسى .
انتظر معى حتى الثامنة الا الربع , حتى جاء والدى راكضا  معتذرا آسفا بشكل محا غضبى منه و خجلى من عم أحمد.
شكر عم أحمد جزيلا و حاول دس النقود فى جيب قميصه الأصفر فرفض تماما متمما بكلمات لم أسمعها .
و اليوم لا أثر لعم أحمد..أبحث عنه فى كل أرجاء المدرسة فلا أجده..أسأل عنه بعض الطالبات فتخبرنى احداهن أن عم أحمد ترك العمل فى المدرسة ليبقى بجانب زوجتة المريضة التى لا تفارق الفراش.
كنت أدعو الله بصدق و اهتمام و قلق راجية أن يكون بخير و أن يشفى زوجته و يعود الينا و لكنه لم يعد.
فكرت مرارا أن اسأل عم سالم زميله على بوابة مدرستنا عن أخباره و لكنى تراجعت خوفا من الرد الذى قد لا أحب أن أسمعه.

هناك تعليق واحد: