السبت، 23 أبريل 2016

بالونة مفرغة من الهواء


  اليوم نمت على جنبى الأيمن. لم أعرف أين أضع ذراعي اليمنى ولكنى لم أعد أستطيع النوم على وجهي كما هى عادتي, كلما

وضعت رأسي على المخدة أحسست بنفسى يُكتم بداخلها. 

أستيقظت رغم ذلك ثلاث مرات, الأولى إثر حلم مزعج سخيف: كنت نائمة فى الحلم وحلمت -داخل الحلم- أنى أبتلع لسانى المتضخم

وأختنق فى عذاب صامت, فانتفضت من السرير لأقف أمام المرآة -في الحلم أيضا-, أخرج لسانى لها كالمجنونة, أمسكه بيدي لأتجقق

من حجمه وأتأكد أنه ما زال تحت السيطرة وأنى ما زلت أتنفس. استيقظت أخيرا من ذلك الكابوس المركب, نظرت لصورتى فى

المرآة, مططت لسانى فوجدته عاديا مستجيبا.

عندما خلدت للنوم مرة ثانية لم تمض سوى ساعة وربع حتى استيقظت مجددا. لم أحلم ولم أختنق فى المخدة فأحسست بامتنان شديد

لأنى ما زلت حية لم أمت. أخذت نفسا عميقا جعلني أسعل مثل قبطان مركب عجوز لا تغادر البايب فمه من سنة 50.

نظرت إليه بجابنى, نومه سريع, عميق, وكأنه غرق فى السرير. مددت يدى إلى كتفه لأوقظه لكني لم أفعل. هل من الممكن أن يقتلنى

يوما؟ هل أجرؤ أنا على قتل نفسي؟

 يقول دائما إنى جبانة وأنى لن أتخذ أى خطوة مادية لإيذاء نفسي حتى وإن أردت وهو ما شككت فيه كثيرا, تقول صديقتي أنى لا

أؤذى إلا نفسى وأنا أقول أنى لا أملك القدرة على الإيذاء أو الإحسان أو الحماية. أنا أجبن من أن آكل شيبسى فى مكان عام حتى لا

يسمع أحدهم صوت القرمشة, لا أستطيع أن أجرب جزمة فى المحل لأنى أخاف أن تكون لقدمى رائحة, عندما نام على كتفى فى

السينما مؤخرا, كانت خصلة من شعرى تحت أذنه وقد آلمتنى, فما كان بي إلا أن انخفضت فى المقعد وأملت رأسى تجاهه لأقلل الشد

والصداع.

غدا صباحا, سأقول له أنى سأشترى قطة, هكذا بصيغة خبرية. سأشترى قطة. ونمت للمرة الثالثة.
                                                           *******شعرت به يهز السرير وهو يرتدى جوربه, تقلبت فى مكانى, فقال صباح الفل واعتذر وأخفض صوته آمرا أياي أن أستكمل نومي.
"باقولك إيه؟ أنا هاشتري قطة."

نظر إليّ برهة ورد أن يا فتاح يا عليم وأنه لا يحب القطط وأنى أعلم ذلك وأن أعمل اللى أنا عايزاه ولكنه غير مسئول عن أكلها

وشربها وبشكل خاص أكثر هو غير مسئول إطلاقا عن النظافة والحموم.

كانت الساعة السابعة, صنعت قهوة له ولي, تصفحت الجريدة التى تركها إبراهيم على باب الشقة.

"أنتِ إيه رأيك فى الاغتيلات السياسية صحيح؟ إحنا عمرنا ماتكلمنا فى الأزمات الأخلاقية السياسية دى."

ضحكت وفكرت كثيرا طول اليوم وأنا أتصفح صور القطط المعروضة للتبنى. هذا القط الرمادى بلا شك.

"إيه رأيك فى الواد الرمادى أبو عينين زرقا دة؟"             

                                                     ********
لم تكن الليلة التالية أشد اختلافا فقد حلمت أنى فى خيمة مطاطية زرقاء فى الصحراء وكنت سعيدة أنى رأيت النجوم بالتليسكوب

الجديد وكانت لكون ليلة مثالية لولا أن الخيمة الصغيرة انهارت. انكمشت لترتطم أجزاؤها وأنا بداخلها كالبالونة المفرغة من الهواء. 

هذه المرة أيقظنى هو وقد أنار الأباجورة "لازم نشوف حل لكوابيسك دى.".

                                                    ********
جلس على الغذاء وأثر الحماس على وجهه شديد, ترددت قبل السؤال أن خير؟ إيه الفرحة دى؟
أعترف فورا أنه قد تحدث إلى صاحبة القط الرمادى وأننا سنذهب فى الثامنة لاستلامه والأتيان به إلى منزله الجديد وأنه أشترى رملة

وأكل قطط و"بصى كمان!" إنها فرشاة للشعر الشائب الناعم.

نزلت معه فى السابعة والنصف, متجهين إلى مصر الجديدة لاصطحاب..."هنسميها إيه صحيح؟" 

فأجاب أنه ذكر وأنه يظن أن اسم خالد لطيف جدا. ظننته يمزح حتى استرسل قائلا أن الحيوانات المنزلية هى أبناء لأصحابها, 

وتسميتهم سوسو وتوتو ولولو تقليل من مكانتهم كأبناء. "خالد لطيف جدا يابنتى!"

                                                       ********
لم أستطع النوم. دخلت الحمام, مددت يدى فى السبت الذى أضع فيه كتبا ومجلات فلم أجد شيئا. ما طبعا! طالما طنط مامته قد

أصدرت قرارا بأن الكتب فى الحمام حرام نظرا لأن الروايات العربية التى نقرأها قد تحتوي على آيات قرآنية وألفاظ لا يجوز أن

تتواجد فى مرحاض.

أنا لا أريد هذه القطة, أو هذا القط.

 خرجت من الحمام وفتحت اللابتوب, أجريت بحثا عن "متوسط عمر القطط؟" لأجد أنه حوالى 15 سنة.

15 سنة ويموت خالد, إن لم يكن أقل, فهو راح ولا جه قط مصرى يعيش فى القاهرة مما قد يؤذيه صحيا ونفسيا. على خالد أن يرحل

من هذا البيت وبسرعة.

خرجت حافية إلى الليفينج رووم حيث تركناه فى كرتونته, وجدته يغط فى نوم عميق, أنفاسه مطمئنة وأنفه صغير جدا ويديه.

عدت لغرفتى وقد دفنت رأسى فى المخدة وقد قررت أن يعود خالد صباحا من حيث جاء.

                                                      ********
"صباح الخير..مالك؟ إنتِ معيطة؟"
قربت طبق البيض المسلوق من يده وأجبت

"ولا حاجة, حلمت بكابوس جديد."