الجمعة، 6 ديسمبر 2013

الطريق الى سورات

بدأت رحلتى فى القطار هادئة ساكتة لا يقطعها الا صوت القطار و همهمات البعض و شخير البعض الآخر. حقيقة, كان الجميع متعاونا..كلما سألت عن الوقت أخبرونى و كلما جعت اطعمونى. مر "الراجل بتاع التذاكر" كما اطلق عليه, لكنه فى الهند يرتدى بدلة و يضع تلك النقطة الحمراء بين حاجبيه..تلك النقطة التى سأفهم فيما بعد أنهم يطلقون عليها "بيندى" و انهم يعتقدون انها تجلب الحظ و تبعد الشياطين و لها بعض الدلالات الدينية كذلك.
يتفقد الرجل جواز سفرى و تذكرتى و يسألنى عن المحطة التى سأنزل فيها فأخبره أنى ذاهبة الى "سورات"..فظهرت على وجهه آثار الشفقة و أخبرنى بانجليزية رديئة أنه ما زال أمامى 5 ساعات.
خشي النوم.
خشيت أن أفوت المحطة و أضيع سابع أكبر بلد العالم.
خفت كذلك من سرقة حقيبتى و بها نقودى, جواز سفرى, كتبى, ملابسى و كل ما أملك.لكنى رغما عنى نمت حتى ايقظنى جامع التذاكر مناديا "سورات".
نزلت بصعوبة من القطار بسبب ضخامة حقيبة السفر..كان الجو حارا, الناس كثيرة و غريبة..اتصلت بمن -يفترض أنه- سيأتى لاصطحابى من المحطة. لم يرد. سألت عن بوابة الخروج فأشارت سيدة ترتدى سارى نبيذى اللون الى أطول سلم رأيته فى حياتى.
"What the hell ?! " كانت كل ما استطعت التفكير فيه فى اللحظة. حملى لحقيبتى و طلوعى هذا السلم اللعين بها هو درب من دروب المستحيل بلا أدنى مبالغة..اتصلت ثانية بمن سأعرف ان اسمه Umang فلم يجب..اتصلت بشخص آخر فأخبرنى أن المذكور آت فى الطريق و أن انتظره خارج المحطة ليرانى.
نظرت الى الحقيبة و أنا العن اليوم الذى خرجت فيه من دارى.
"اتحناجين مساعدة ؟ "
التفت لأجد شابا لا يتعدى سنه العشرين..يكرر السؤال بما يشبه الانجليزية فأهز رأسى أن نعم و أضيف "please ".
يحمل الحقيبة برشاقة لتستقر على رأسه و يتجه الى السلم اللانهائى, يطلعه فى سرعة و أنا أصارع الزحام لألحق به.
و أخيرا, أنا خارج المحطة..أنا فعليا فى المدعوة "سورات".
لم أجد فى الشارع الا التكاتك (جمع توكتوك) و قد أطلفوا عليها لفظ "ريكشا" و لونوها بالأصفر و الأخضر.
انتظرت عشر دقائق رفضت خلالهم العديد من الريكشا التى توقفت لاصطحابى و مساعدات الهنود اللطيفة فى توجيهى حرصا منهم على ألا اتوه او انتظر طويلا.
و أخيرا أتى اومانج بعد طول انتظار..أتى لاصطحابى بتاكسى فحمدت ربنا فى ارتياح.
لم يكن حامل الحقيبة قد رحل بعد فحملها ثانية ليحشرها حشرا بمساعدة اومانج و السائق فى مؤخرة التاكسى, ثم تمتم بالهندية ما معناه انه يريد 200 rupees نظير حمله للحقيبة.
ركبت التاكسى و أنا أشعر أننى بدأت التجربة الحقيقة الآن و قد تعجبت من شعورى بالاطمئنان المفاجىء.
كان السائق مرحا لكنه لا يتحدث الانجليزية, غنى العديد من الأغانى الهندية و شغل الراديو.
فى الطريق تابعت التكاتك و النساء الجميلات و العجائز المهترئات ذوات السارى المشجر..رأيت الفتيات و هى تقود الموتوسيكلات و شعرها يتطاير من خلفها..و لم يلفت كل ذلك انتباهى قدر البقر الذى يمشى ملكا فى كل الشوارع كبيرها و صغيرها, يعترض طريق السيارات و الريكشا و الناس و يتفاداه الجميع و يغيرون مساراتهم ليكمل طريقه الذى لا تستطيع توقعه.
وصلنا الى مكان جميل و راقى..حيث كل عمارة تشابه الأخرى و كل واحدة منها لها حديقة لطيفة و مدخل جميل و جراج فسيح و طاقم حراسة مهذب.
المصعد يستقبلك بموسيقى هادئة والدور الواحد مكون من شقتين واسعتين..بيتنا هو احدى شقتى الدور الرابع.
يقودنى اومانج للداخل مرحبا..أدخل لأجد مراتب مصفوفة على الأرض..بعضها فارغ و الآخر بها أشخاص نائمون.
يشير الى غرفة على اليمين و يقول هنا غرفتك, يفتح الباب و يشير الى مرتبة أرجوانية و يضيف "هذا سريرك".
كان بالغرفة أربعة سرر بالاضافة الى سريرى أو من أجل الدقة مرتبات بالاضافة الى مرتبتى.
لم أندهش كثيرا..ربما بسب حكايات كريم عن حياته فى مومباى خلال الأسبوع الماضى.
لم أدرى تحديدا ما يتوجب علىّ فعله..أسأظل وحيدة هنا؟ هل أخرج و القى التحية على الموجودين ؟ هل أبدل ثياب السفر؟..ماذا أفعل ؟!
و لم تطل تساؤلاتى فقد أتت فتاة ترتدى بيجاما كحلية اللون و تربط شعرها بشريطة برتقالية و قالت أنها بريفان من تركيا و أنها ترحب بى و من أنا و ما المشروع الذى سأعمل به ؟
فأخبرتها انى مى من مصر و أننى سأعمل بمشروع Conserve للبيئة و لم تمهلنى أكثر من ذلك و عرضت علىّ الذهاب معهم (بريفان و فتاتين احداهما من تركيا أيضا و الثانية من فيتنام) الى ماكدونلدز و لكنى كنت متعبة بحق فرفضت آسفة و أخبرتها أنى سأنام قليلا.
و لم أنم قليلا, بل نمت كثيرا, كثيرا جدا. استيقظت و قد شعرت بغرابة وجودى على هذه المرتبة و قد وضعت عليها ملائتى و غطائى الذى أحضرته معى. لم يكن هناك أحد بالغرفة و لم أدرى ما يتوجب علىّ فعله للمرة الثانية..أخرج؟ أنتظر؟ أكمل نومى؟!
جلست فى الظلام اتسائل عما سأفعل حتى قطعت فتاة شديدة النحافة ذات قرط أسفل شفتها حل أفكارى..تفاجأت برؤيتى و رحبت بى بحرارة و هى تقول أنها ملينا من صربيا و أنها لم تعرف أننى قادمة و ان كنت أحب أن العب "أفلام" !
خرجت لأجد عدد كبير من الشباب فى الشقة يأكلون و يتحدثون و ينامون و يتفدون الفيسبوك..بعضهم أتى للترحيب معرفا نفسه و البعض اكتفى بالقاء تحية سريعة او ابتسامة عابرة.
جلسنا على الأرض (فلم يكن هناك مقاعد ولا ارائك) و بدأنا فى اللعب. ضحكنا كثيرا و قد ذاب الثلج بينى و بينهم.
فى الثالثة صباحا انتهينا من اللعب و المزاح و قلنا "Good night " و قد كانت كذلك فعلا.